السبت، 30 مايو 2015

الخرطوم زمان

الجزء الأول: التاريخ
الخـرطـوم زمــان

قبل أن تصبح عاصمة السودان كانت الخرطوم بين النيلين سوقاً لكل أنواع المواشي لموقعها الجغرافي المميز حيث الزراعة وسهولة سبل تربية المواشي في تلك المنطقة المقفولة بالغابات والمزارع العشوائية التي تحتاج لكثير من العناء لأصلاحها ونظافتها ولذا تجنبها أجدادنا كموقع للسكن وفضلوا العيش بعيداً عن تلك المنطقة الوعرة (بين النيلين) وبعد الاستعمار التركي (والمصري البريطاني) وإنشاء جسري أمدرمان وبحري إختار المستعمرين الخرطوم عاصمة للسودان خاصة خورشيد باشا وغردون باشا اللذان بدأ العمل على تنمية المجتمع  داخل الخرطوم وتشجيع المواطنين على السكن داخلها وإعطاهم الحوافز العديدة وبعد ذلك تباعاً تغيرت معالم الخرطوم تماماً حيث أصبحت عاصمة للسودان. ونحن إذ نسجل ونذكر بعضاً من معالم الخرطوم زمان التى درست الآن وكانت متواجدة حتى فترة أول الخمسينيات عندما كنا بمرحلة التعليم الأوسط بالخرطوم الأميرية الوسطى خلال الاستعمار الإنجليزي حيث نبدأ بميدان أبو جنزير الواسع وسط المدينة حيث طعمية العم رابح وفول ماهر الحلفاوي وليمون حجازي وبرعي السكران الذي يحمل زجاجة الخمر طيلة الليل والنهار والخرطوم الأميرية هي محل برج البركة الآن... ونذكر بنك بار كليز محل بنك الخرطوم الآن وكذلك مرطبات فلورا وزكي بالسوق الافرنجي ومطعم (علي السيد الكوباني) غرب صينية القندول و(طوسته) وحلويات بابا كوستا.
وقهوة الزيبق محل عمارة الذهب الآن ونذكر قهوة جدنا علي أبو زيد مؤذن جامع الخرطوم العتيق المجاورة لبنك بار كليز سابقاً. ونذكر كلماته لنا (بيع واشتري ولا تنكري) أما زقاق أبو صليب حيث يسكن الأحباش هناك ومحله موقع فندق المرديان الآن. أما موقف الحمير كان جنوب صينية كبري بري حيث كان (اللّبانه) يتركون حميرهم هناك ويحضرون بالسيارات الإنجليزية الفورد... ثُمَّ  يوزعون الألبان لأهل الخرطوم.
أما الطابية فكانت محل القيادة العامة الآن حيث كانت سكنات الجيش الإنجليزي محل وزارة التعليم الحالية ومدرسة الخرطوم الثانوية التجارية سابقاً. أما سكنات الجيش المصري فكانت بقشلاق عباس محل الدفاع المدنى الآن جنوب كبرى المسلمية. أما رئاسة السكة حديد فكانت أول شارع بييو كوان الآن من جهة الشمال ولا ننسى محل (حسن صالح خضر) للعجلات بالسوق العربى حيث كانت وسائل المواصلات الرئيسية العجلات و(الحمير). أما غابة الحكومة ومقرن النيلين حيث زراعة الخضروات على أرض شاطيء النيلين حيث كانت المنطقة الرئيسية التى تمد الخرطوم بالخضروات والفاكهة مع أهالى الجريفات وما جاور العاصمة من مزارع صغيرة (جروف). وقد انشئت (الملجه) سوق الخضار الرئيسى بالخرطوم موقع (أبراج الواحة حالياً). وكان ميدان الأمم المتحدة سابقاً حيث القبة الخضراء سابقاً. أما سوق زريبة العيش والفحم فكانت محل مدرسة الخرطوم الأهلية الوسطى غرب مدرسة الكمبونى حالياً. أما مطعم سانت جيمس تقاطع شارع الجمهورية مع شارع عطبرة حالياً حيث كان المطعم الشهير للوجبات الراقية والخمور ويرتاده الأجانب غالباً. وكانت الخرطوم عبارة عن مكاتب للدولة وليس بها سكان سوى الأجانب (والخرطوم غرب) حيث مساكن الدولة والقيادات البوليسية حول سينما الخرطوم الوطنية بالمقرن وبعض المساكن بنمرة (3) ونمرة (2) وعشش (فلاته والديوم) ولم تكن هناك إمتدادات سكنية بل أراضي جرداء قاحلة حول الخرطوم القديمة. أما أهالى توتي والجريفات وخلافهم يأتون صباحاً لبيع الخضروات والفاكهة وشراء حاجيات وضروريات مواطني القرية حول العاصمة وكذلك العلاج. وكانوا يأتون بواسطة الحمير والبغال والعجلات والمراكب وكانت المراكب الشراعية الكبيرة تنقل الطوب الأحمر والأخشاب والأشياء الثقيلة للخرطوم وكذلك تنقل الذرة وكل المواد التموينية من مختلف الاقاليم البعيدة المتاخمة للنيلين حيث كانت (الأسكلة) وظهور بعض البواخر الصغيرة التي تسافر لكوستي والجنوب.
أما دروة ضرب نار فكانت شمال مطار الخرطوم و جوار سلاح الأسلحة حالياً.
أما (سوق اليهود) كان كل الدكاكين شمال السوق العربي تفتح على ميدان الأمم المتحدة وبالسوق الافرنجي (المحطة الوسطي).
بين شارعي الجامعة والجمهورية (في المحطة الوسطي). أما مطعم رويال شمال مستشفي الخرطوم حيث سمك البلطي الكبير الحجم وكذلك حدائق المقرن حيث لحمة الكستليتة الشهية وأيضاً البلدية بحري حيث لحمة الشيه المشهورة.
أما السجن الحربي محل قصر الشباب والأطفال بأمدرمان الآن.
أما تفتيش السيارات فكان المسؤول عنه المهندس المشهور (سليمان موسى) الصعب الذي اتعب طالبى  رخص السواقة الجدد وكذلك تفتيش العربات السنوي.
أما العملة فكانت (الريال) حيث العشرة قروش أو مائة مليم ويسمي (أبو جمل) ويقولون عنه (أبو جمل طيب العمل) ولا ننسي (كيس القروش) المصنوع من التيل القوي.
أما (راس السكر) قد كان من أهم المشتريات يومها. أما العربات كانت أبورقعة الفورد الإنجليزية والكنده الشينة موديلات (36-46) وكانت قليلة جداً مع بعض المواتر (الفيسبا) أما الترماي (سمير) كان يربط أمدرمان بالخرطوم بعد تشييد كبري الحديد.  أما ميدان (شري على شمالك) كان جنوب القصر الجمهوري ومحازي لشارع الجامعة... وفيه (يسكر) المرتادين... ومعناه  بعد أن تسكر عليك  أن تسير لجهة الشمال حيث كانت الحركة شمال وكان الميدان  مغطي بأشجار العرديب الظليلة.
أما سوق الموردة بأمدرمان والذي يربط بحري وتوتي فكان (مورده) للأخشاب والسعف والبروش وكان عبارة عن ميناء صغير ترتاده المراكب الشراعية الكبيرة من الاقاليم المختلفة وكان أيضاً سوقاً للأسماك.
ظهرت الوابورات ببحري بعد الاحتلال البريطاني وكان محلها جنوب كبري المك نمر الحالي وغرب المحكمة الحالية أما البلدية بحري أصبحت فندق قصر الصداقة الحالي. أما النقل الميكانيكي وقد ازيل الآن فمكانه شمال كبري بحري وكان يقوم بإصلاح عربات الحكومة.
أما مطعم الفوال الشهير كان غرب ميدان الأمم المتحدة وكان من أشهر مطاعم الخرطوم زمان لكبر مساحته وجودة الأطعمة المحلية به.
أما الشرعية والبرلمان سابقاً فكانتا محل المجلس التشريعي لولاية الخرطوم الآن وغرب بنك باركليز زمان وبنك الخرطوم حالياً. أما البوسته الخرطوم فكانت غرب القصر الجمهوري.
أما الظبطية وقمندانية الخرطوم والمحافظة كانت محل مجلس الوزراء حالياً. أما حديقة الحيوان فكانت محل برج  الفاتح الآن وهي كانت أكبر حديقة حيوان في العالم حيث كانت بها كل أنواع الحيوانات المفترسة.
أما قشلاق السكة حديد كان بالخرطوم (3)  بشارع الصناعات وشرق شارع الحرية. أما قشلاق سجن أمدرمان فكان شمال السجن الحالي. أما سلخانة الخرطوم  فكانت بغابة الحكومة.
المشاهير من التجار: (أبو العلاء عبد المنعم محمد -  كشه  - بومبي بازا – سرقاس -  مرهج  - جمبيرت – ابن عوف سليمان – الكوباني - الفوال – البوب مارشيل وكان أكبر مصدر ومستورد – والبربري – كنتو مخلص- الزين صغيرون).
أما المغنين: خليل فرح - إبراهيم الهادي – زنقار 
الشعراء: البنا – ود الرضى – العبادي – أبو كساوي – عبد الرحمن الريح
الصالحين: ارباب العقائد – فرح ود تكتوك – ود بدر - حسن ود حسونه – أبو فركه – صقر البرزن – الفادني – حمد وخوجلي أبوقرون.
الاعيان والعلماء : سرحان – المك عدلان – أحمد هاشم - العالم الفكي محمد أحمد العوض – ود الهندي – عبد الرحمن المهدي – الميرغني – الدليل الزبير – حضره ـ ود عبد الحليم محمد ـ ود/ حسين أحمد حسين – ود/ حسبو ـ ود/شداد – وسليمان دهب المحامي وعبد اللطيف بيومي  ـ كيشو ويحي الفضلي – الفريق أحمد الجعلي وشبيكة والقاضي عبد الرحمن العاقب والدرديري وعبدون والضرير والخاتم  عدلان والأدارسة. 
ومكان تجمع أبناء الخرطوم ليلاً السوق الافرنجي المحطة الوسطي شرق سودانير وسنجر جوار مرهج. وكانت جامعة القاهرة الفرع ومحل البعثة المصرية مكان جامعة النيلين الحالية.
أما المعهد الفني سابقاً  فكان محل جامعة السودان الحالية بالمقرن.
أما السلاح الطبي سابقاً كان داخل الطابية محل سلاح المظلات حالياً. والكلية الحربية سابقاً ومدرسة المشاة كانا محل السلاح الطبي الحالي.
نادي ضباط القوات المسلحة محل نادي الأطباء على النيل الآن.  موقف باصات الخرطوم جوار عمارة ابنعوف سليمان ومكان زريبة الفحم سابقاً.  محل الأهلية الوسطي حالياً. أما الخرطوم الثانوية التجارية سابقاً محل وزارة التربية والتعليم حالياً، أما مقابر النصاري محل البنك العقاري حالياً. أما (قهوة ود اللقا) بأمدرمان ويوسف الفكي وسينما برمبل ونادي الهلال الرياضي محلهم المحطة الوسطي بأمدرمان وكذلك محلات العدني للتجميل والارياح. أما  سوق الخرفان بحي العرب الحالى. أما المحكمة القروية بحري مكان سجلات الأراضي شرق المحكمة الحالية. وهي تضم كل قضايا الأرياف والضواحي شرق وغرب النيلين وقضاتها الاعيان العمدة المقبول والكوقلي وحضرة والعمدة عدلان وناصر وعمدة سوبا الطيب عبد السلام. أما البوسته بحري كانت تقاطع شارع المزاد مع شارع كبري بحري... فندق فكتوريا بشارع القصر الجمهوري قرب شارع الجمهورية أما (البلونايل) جوار نادي جامعة الخرطوم على النهر وكانت معلماً ثقافياً مهماً لتعليم اللغة الإنجليزية حيث كانت كل أفلامها باللغة الإنجليزية عندما كنا في التجارة الثانوية بالداخلية جوار السينما... كانت كتب الادب الإنجليزي مثل (هملت وعطيل) تأتي في شكل أفلام تماماً حيث كانت تساعدنا على النجاح في الشهادة السودانية وكان مدرسون اللغة الإنجليزية كلهم بريطانيين ومن جنوب إفريقيا ومن النساء البريطانيات مثل (مسس ليفر) وقد عودونا هؤلاء الأساتذة على أكل الباصطرمة والماركدلا واللانشون وخلاف ذلك من المنتوجات والاكلات الغربية حيث كان الزيتون وزيته والفاكهة مثل التفاح والعنب والكمسرى متواجدة بالأسواق وباقل الأسعار... وكنا نعلم أن البريطانيون يبيعون منتجاتهم لدول الكمنولث والمستعمرات بأقل بكثير من أسعارهم داخل بريطانيا لكسب الأسواق والحصول على العملة الصعبة.
وكان الأساتذة البريطانيين قبل بداية الحصة يعطوننا بعض المعلومات  السياسية والاقتصادية كثقافة وكانوا لنا بمثابة الأصدقاء مثل هيقنز وجون الإيطالى ومس لبفر ودونا هيو. أما الأساتذة الأجانب العرب نذكر منهم فوزي المصري وطلعت اللبناني الجنسية ومحمد حسن المصري... حيث كان هؤلاء  عكس الأساتذة البريطانيين كانوا يحرضوننا ضد الإنجليز ويحكون لنا ظلمهم وعداوتهم ويشجعوننا للعمل ضـدهم لتحريـر أرضنا منهم... نعم كانت سنوات من خلالها كنا شباباً مفتح العقول حيث نستنير من هنا وذاك نأخذ من الأول وجهة نظره الاستعمارية ونستلهم من الآخر حجته ووجهة نظره العربية الإسلامية... حيث أخيراً نضع تلك الأفكار المتباينة على ميزان الحقيقة والحديث ذو شجون ولا ننسى ذكر أبطال الرياضة عبد الخير وطلعت فريـد وصديق منـزول وبرعي وسبت دودو وفيصل وزكي وديم وإبراهومة ويوسف مـرحـوم وكرجويل وختم.
ولقد كانت الخرطوم زمان في عهد طفولتنا عبارة عن قرية سياحية صغيرة كنا نحومها على الأرجل طولاً وعرضاً خلال ساعة واحدة عندما نخرج من مدرسة الخرطوم الأميرية الوسطي ونشاهد (الخواجات) بعيونهم الخضراء المميزة ويركبون السيارات العسكرية الداكنة اللون... لقد كان للخرطوم نكهة خاصة وحضارة وثقافة. والمواقع الثرية التاريخية عديدة إنقرضت جميعها الآن وكانت كما يقولون (لتل لندن) كما يقال عن نيروبي في ذلك الوقت. ونذكر هذا التاريخ حيث اللحظات الخالدة والأحداث الهامة التي عشناها داخل العاصمة السياسية والتجارية والثقافية والرياضية الصغيرة أيام الجمعية التشريعية وحيث الليالي السياسية المميزة الراقية (وز نفراف) قهوة الزيبق المشهور وخطب محمد نجيب وجمال عبد الناصر في السنوات 1952م.
ولا ننسى أحداث القصر الدموية عند زيارة محمد نجيب للسودان حيث شاهدنا الموت والقتل بأعيننا بحراب السودانيين جنوب القصر الجمهوري (بشارع الجامعة) حيث الهتافات السودان للسوداني لا مصري لا بريطاني وكنا رغم صغر سننا نعيش ونتجاوب مع تلك الأحداث السياسية الهامة حيث تظاهرنا كثيراً وسط شوارع الخرطوم عند الهجوم الغادر الثلاثي على مصر حيث قمنا بالمظاهرة الشهيرة وسط الخرطوم بقيادة الأستاذ المصري (محمد الحسن) من مدرسة الخرطوم الأميرية الوسطى نهتف ضد فرنسا وبريطانيا والأمريكان نجوب شوارع الخرطوم حيث حاصرنا الجنود الإنجليز وهم على ظهر سياراتهم المصفحة حيث دخلنا في منازل (الخواجات) الذين (دسونا) وعطف علينا نسائهم!!!.
في تلك اللحظات العصيبة حيث أدخل محمد نجيب القصر بشارع النيل وقد كنا حضوراً في كل معظم الأحداث المثيرة والخطيرة السياسية التي حدثت خلال الصراع من أجل الاستقلال والجلاء ولا ننسى أحداث ميدان الخليفة حيث وقف السيد الصديق المهدي وقفته الشهيرة الرجولية بخصوص الاستقلال.
ونحن لم ننسى الأستاذ الناظر (محمد سليمان) الذي كان يوزع لنا جريدة (الميدان) بمدرسة الخرطوم الأميرية وكذلك حلقات الجمعيات الأدبية التي كانت تشدنا بعد الظهر بالمدرسة حيث كان أساتذتنا الكرام الوطنيين يحثوننا ويقدموننا  ويعدوننا لأن نقود الكفاح السياسي حيث كانت جيوش الاحتلال تجوب شوارع الخرطوم لإظهار القوة وكانت الجمعيات الأدبية التي تقوم في (العصريات) تؤهلنا للحظات الحرية والقوة الأدبية والإجتماعة إستعداداً لمخاطبة الأهل والجماهير بالأرياف.
ولاننسى القول أن كل الأساتذة الذين كانوا معنا جميعهم أفذاذاً وشجاعتاً وهم نفس أساتذة جامعة الخرطوم والخرطوم الثانوية والتجارية بعد نقلها من أمدرمان لتكنات الجيش الإنجليزي بالخرطوم وقد كنا أكملنا قريت سفن للغة الإنجليزية وعندما دخلنا الثانوية كانت كل العلوم تدرس لنا بالغة الإنجليزية (عدا العربي والعلوم الإسلامية) وكان معظم المعلمين يدرسون باللغة الإنجليزية خواجات ومصريين ولبنانيين ومن جنوب إفريقيا وإيطاليا. لقد كانت الخرطوم يومها مسرحاً سياسياً فذاً فريداً تقوده جامعة الخرطوم وكل المدراس الإبتدائية الوسطي والثانوية وحزب الأمة والأشقاء وكان السيد/الأزهري والسيد/ عبد الرحمن المهدي والسيد/ علي الميرغني من العمدان الأساسية لتلك الحياة السياسية والحضارية المميزة الفريدة وكنا نزور أولئك الزعماء الأقطاب الدينيين والسياسيين الشجعان وبدورهم ودائراتهم. ونكافح سياسياً ضد الاستعمار... ولا ننسى (فتة) السيد علي الشهيرة وكذلك مائدة السيد/ عبد الرحمن المهدي (الدسمة). لقد كانت الخرطوم زمان تاريخاً وطنياً مشحوناً بالولاء والكفاح الثقافي من أجل حرية السودان ولا ننسى جلساتنا مع الرئيس الأزهري في منزله والذي كان يحضر دائماً بسيارته المرسيدس الخاصة. كل المناسبات بدون (حراس) عدا سائقه وكنا نسأله وهو يجيب مبتسماً بكل سرور وكان لا يغادر المكان حتي يجيب على كل أسئلة الحاضرين. وكانت هذه من أشهر وأميز خصائص تلك الحقبة وسياسة الزعيم الذي طبق حكم الديمقراطية في وقت كان العالم فيه يحكم عن طريق البندقية والنار... وكانت حكومة السودان في ذلك الزمان تصارع الحكومة البريطانية (حيث النظام الديمقراطي البرلماني) الشبيه بنظام الحكم في إنجلترا حيث كان رئيس الوزراء المشهور محمد أحمد المحجوب ذو الصوت الجهوري والشاعر والأديب اللبغ والموهوب.
إنَّ تاريخ الخرطوم المعاصر شهد حقبة تاريخية عظيمة غير مسبوقة في الوقت الذي كانت فيه إفريقيا والأمة الإسلامية والعربية تعاني من حكم الفرد خاصة دكتاتورية الجماعة في الصين وروسيا ويوغسلافيا وكل دول حلف وارسو ولا ننسى أن نذكر كفاح ونضال سعد زغلول وكل المصريين الذين وقفوا مع قضية إستقلال السودان وإحترموا تطلعات ورغبة السودانيين عندما فضلوا (الإستقلال)... حيث بعد ذلك تفكك حزب الاشقاء ليصبح  الحزب الوطني الاتحادي وبعدها (الإتحادي الديمقراطي).
أما الأخوان المسلمين فقد لعبوا دوراً هاماً في تلك الفترة ما قبل إعلان الإستقلال (وجلسات الأسر القرآنية) خاصة في داخليات المدارس الثانوية والجامعة وأذكر منهم الدكتور حسن الترابي ومبارك قسم الله والشيخ صادق عبد الماجد والسنونسي وغيرهم الذين كانوا يحاضرون في المساء في جامعة الخرطوم والمدارس الثانوية والمدارس الوسطى لنشر دعوة الأخوان المسلمين. نعم لقد كنا تلاميذ مدرسة الخرطوم الأميرية الوسطى دماءاً سياسية نشطة حيث كنا نحضر كل الليالي السياسية خاصة الليالي التي شهدت معارك وصراع سياسى حاد حضاري بين الاتحاديين والأمة والشيوعيين والاخوان المسلمين وكنا حقيقة نحوم ونتجاوب مع كل تلك التيارات والمغامرات والصراعات السياسية الهامة رغم صغر سننا وإمكانياتنا المادية حيث كثيراً ما كنا نصل إلي تلك الليالي السياسية بمغامرات صعبة للغاية.
ونحن حقيقة كنا سعداء بذلك العمل الدؤوب الذي لم نخطر به أهلنا البسطاء خوفاً من أن يحرمونا الاتصال بهولاء السياسيين. ونحن الآن أبناء الرعيل الأول ونمثل الرعيل الثاني الآن ونشاهد اليوم تلك العمارات الشاهقة التي تم تشييدها على حساب ذلك التاريخ العظيم مثل عمارة برج البركة وبرج الواحة ووزارة السياحة ووزارة التربية والتعليم وخلافه من عمران كثير نرجع بقولنا ومشاعرنا وأرواحنا إلي سنوات الكفاح والنضال وعقود إنقرضت غيرت كل المعالم حيث نعيش خلالها أمنيات وتطلعات ذات ذكريات عظيمة خالدة حفرت في داخل رؤوسنا تاريخاً وطنياً واجتماعياً وسياسياً عظيماً لن ننساه ولهذا أردنا أن نقدم لأبنائنا قليلاً من ذلك التاريخ المجيد الفابر الذي اندرس العديد منه خاصة المواقع الجديدة التي غيرت معالم الخرطوم زمان تماماً.
كانت هنالك قرارات ومحاكمات وأحداث عديدة أذكر منها رفض البرلمان السوداني للمعونة الأمريكية (وتغيير العملة وأحداث مجزرة عنابر كوستى ومحاكمة الحزب الشيوعي في البرلمان وأحداث مجزرة توريت عام 1954م وكتابات السلمابي الشهيرة (وصحف زمان) (الرأي العام ـ الصحافة ـ والأيام ـ والميدان) هذه الصحف الوطنية التي كان أصحابها وكتّابها خبرة مميزة أشهرت الخرطوم زمان... من تجرد وإيمان وصدق الكلمة والرأي.
أما نادي الخريجين الذي كان يقبل كل مواطن سوداني لا ننسى فضله الكبير في تجمع  القوى الوطنية ضد الاستعمار حيث  كانت يومها أمدرمان مدينة السياسية والفن والشعر الغنائي حيث كان معظم المغنين وشعراء الغناء الشعبي يقطنون بها كما نشير إلي أنَّ الخرطوم الوسطى هي شرق والخرطوم الوسطى هي والمدرسة الوحيدة التي بناها رفاعة رافع الطهطاوي التي درس فيها القائد محمد نجيب وكل القادة والعلماء والأدباء السودانيين قبل كلية غردون  حيث كانوا  الرعيل الأول وهي كانت النافذة الوحيدة للعلوم والفنون والأدب وهي التي أهّلت كل المدارس الثانوية التي بدأت تظهر مثل وادي سيدنا وحنتوب والخرطوم الثانوية والتجارية والمعهد الفني خاصة بعد فتح مدرسة أمدرمان الأميرية الوسطى  والأهلية الوسطى بأمدرمان والأهلية الوسطى بالخرطوم. ولا ننسى مدرسة جمال عبد الناصر الثانوية وجامعة القاهرة. ونشير إلى أنَّ الخرطوم زمان تفتقد الأندية الثقافية والاجتماعية ولا تسمح السلطات بفتح تلك الدور خوفاً من أن تتحول تلك الأندية الثقافية إلي دور سرية سياسية  تعارض الاحتلال.
أما أسواق الخرطوم زمان كانت تفتح وتفوح بالبضائع الإنجليزية حيث كان التفاح والزيتون والكمسرى تأتي من (يـافا ـ حيفا بكميات خيالية وكذلك كل البضائع من ماكولات ومشروبات وملابس جميعها إنجليزية حيث كانت الخرطوم عبارة عن عزبة بريطانية خلال وجود الحاكم العام وبعد الاستقلال لسنوات عديدة ولا ننسى كسوة الشرف التي تعطى للنظار والدينيين الذين كانوا يحظون بزيارة لندن والملكة وكنا نلاحظ ونحن صغار أن البريطانيين كانوا يعطفون على عائلة الإمام المهدي. ويركزون على أن يكون أكبر عدد من أعضاء الجمعية التشريعية منهم دون غيرهم من الطوائف والأحزاب الأخرى خوفاً من تحرضهم السياسي ضد الإنجليز.
كما نشير كذلك إلي أن إمتحانات الشهادة السودانية (كمبردج) و(إكسفورد) كانت تصحح في لندن وليس الخرطوم. وكان أساتذتنا يذكرون لنا كثيراً عن الأعمال البطولية عن عبد الفضيل ألماظ وعلي عبد اللطيف وابن عمومتنا عبيد حاج الأمين وإنسحاب الجيش المصري من السودان وتلك الأحداث المثيرة في القاهرة وقتل بعض المسئولين البريطانيين وقتل الشيخ حسن البناء ويذكرون لنا تفاصيل المعارك جوار مستشفي العيون بالخرطوم بالقرب من النيل الأزرق وكبري النيل الأزرق حيث كنا نسكن بالداخليات جوار النيل الأزرق ونؤكد أن الخرطوم الأميرية الوسطى كانت مسرحاً رياضياً وعلمياً وثقافياً وسياسياً متفرداً حيث كنا نذهب إلى الأندية الهلال والنيل والأهلى والمريخ والموردة سيراً على الأقدام ونحضر كل المباريات الداخلية وكل مباريات الفرق الأجنبية في دار الرياضية بأمدرمان جوار الدايات وكنا حقيقة أشفياء تماماً ومن دفعتنا نذكر منهم د. جعفر بن عوف سليمان، مهندس عوض الكريم محمد أحمد ـ د. رياض بيومي محمد الحسن حاج علي والحاج عوض الله وبانقا وبركات حيث لا يسمح المجال لذكرهم أجمعين ولكن الشاهد أن جميعهم اليوم وبالأمس كانوا من الرعيل الثاني الثقافي السياسي الرياضي العلمي الذي دافع وحارب من أجل حرية وتطور السودان من عدة جهات حيث لم تكن هنالك وسائل للثقافة والرياضة والفن سوى السينما ودار الرياضة والراديو وحفلات الأعراس بالساحات خارج المنازل حيث إبراهيم الهادي وزنقار وخليل فرح وعوض وإبراهيم شمبات ونذكر منهم التاج مصطفي وخضر بشير وأحمد المصطفي وسيد خليفة وعثمان حسين والكاشف وإبراهيم عوض وعثمان الشفيع وصلاح محمد عيسي وصلاح مصطفي وأبو داؤود وحسن عطية وغيرهم. لقد كانت الخرطوم قلعة الثقافة وكان الشعراء والفنانيين والصحفيين والأساتذة والتلاميذ والرياضيين وكل القوي العاملة المتواصلة متصلة ومتماسكة تماماً في كل المنتديات والأندية والليالي السياسية والجمعيات الأدبية وتجمعات المثقفين في المحطة الوسطى الخرطوم وأمدرمان ونادي الخريجين من أجل العمل المتصل من أجل نيل الاستقلال.
وبالخرطوم زمان كان العلاج والأدوية والتعليم والداخليات وإحتياجاتها جميعها (مجاناً) وكان هنالك تلاميذ تعطيهم الحكومة منح مالية لظروف أولياء أمورهم وأذكر أن كبار الاخصائيين والجراحيين البريطانيين كانوا يحضرون لتفتيش المدارس بالخرطوم على إختلاف درجاتها صحياً وأكاديمياً للمساعدة. ومن الأشياء الغريبة والعجيبة أن الخرطوم زمان كانت تفتح أسواقها كل النهار وحتي ما بعد منتصف الليل مضاءه وجميلة وآمنة وهي اليوم (مسكرة) الأسواق قبل المغرب ومظلمة كل الليل!!! مع ملاحظة أن كل دور السينما بها أوقفت وازيلت مثل سينما كلوزيوم والوطنية الخرطوم وبرميل بأمدرمان والنيل الأزرق وكانت زمان من أهم المواقع الثقافية والترفيهية حيث لم يكن هنالك قنوات تلفزيونية. ومن الملاحظات الغريبة والعجيبة أيضاً أن سكان الخرطوم كانوا أكثر عددية من اليوم حيث مساكن الخرطوم غرب وأهالى المقرن والرميلة والحماداب ومساكن الري المصري بالشجرة والسجانة حي نمرة (2) وحي نمرة (3) وبعضاً من سكان الخرطوم شرق من المسؤولين والأجانب وبعض أهالى سكان بعض (أريافها) مثل توتي والجريفات وبري الشريف كجزورها زمان. اليوم نجدها عبارة عن مباني مشيدة بالاسمنت لتصبح أسواقاً ومكاتب حكومية وتجارية ومناطق صناعية. إن كل تلك المساكن القديمة تبدلت إلي عمارات اقتصادية ورسمية وأن نسبة ساكنيها أقل ما كانت زمان.
ومن الأشياء المؤسفة إزالة أشجار الخرطوم المزروعة على الطرقات خاصة طريق النيل حيث كانت الخرطوم زمان بظلال (أشجارها عبارة عن مدينة سياحية خاصة قبل إزالة كل الميادين العامة التي تمّ بناءها عمارات عالية يغطي بعضها البعض حيث لا يوجد لون أخضر يوحي بأي صورة جمالية يزينها ونلاحظ أن الاحتلال المصري الإنجليزي قد شيد مباني قليلة مثل القصر الجمهوري ووزارة المالية والزراعة والقضائية والبوسته وعدد قليل من المباني السكنية المبنية (بالطواب الأحمر) وتم تشييدهم للمساكن الخاصة للمسؤولين من الطوب الأحمر وتمّ سقفها بالزنك (الملقم) بالاخشاب... وكانت هذه المنازل واسعة والحيشان المزروعة بكل أشجار الفاكهة والظل وميادين النجيلة وهي الخرطوم شرق واليوم نجد أن كل تلك المنازل صارت مباني حكومية تغيرت كل معالمها حيث تم تشييدها بالاسمنت المسلح...
أمّا الظاهرة التي كانت تشد كل المجتمع الخرطومي هي ظاهرة  تواجد المقاهي زمان وأشهرها قهوة على أبو زيد وقهوة الزيبق وقهوة ود اللقافي أمدرمان وغيرها من هذه الأماكن الإجتماعية الثقافية السياسية التي كانت تجمع كل قوى الشعب العاملة بالخرطوم حيث يتداول السودانيين كل أنواع الأحاديث والأعمال وخلافه مع لعب الكوتشينة والضمنة والطاولة وكانت الفترة (فترة سياسية خالصة) حيث كانت كل الأحاديث وحتي الأغاني مثل (عازة) تشير للكفاح السياسي. ونتناول أحاديث الشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية بعد الإحتلال وقضايا الحرب العالمية الثانية ومخلفاتها من تقسيمات وتفككات للدول التي هُزمت بجانب ألمانيا والقضية (المصرية السودانية) والقضية الجزائرية حيث المليون شهيد وقضية الماوما وفي كينيا وكانت هنالك أحداث عالمية عديدة في تلك الأيام مثل العدوان الثلاثي على مصر.
ونقول أن المقاهي كانت دياراً سياسية حيث زاد عدد (البوليس السرى) المباحث بها ونذكر أن تلاميذ الكتاب والوسطى يرتدون الجلابية والعمامة... أما طلبة الثانوني فكانـوا يرتـدون القميص الأبيض والرداء الكاكي الأمريكاني. أما طلبة الجامعة فكانوا يرتدون البنطلون والقميص وكانت كلمة تلميذ تعني طلبة (الكتاب والوسطى) وطالب تعني طالب الجامعة والثانوي والفقير تعني تلميذ الخلوة والحوار تعني ملازم الشيخ.
وبمناسبة الحلاقة أذكر صالون الجامعة للحلاقة وكان صاحبه (عم حمودة) وكان رجل بسيط ولكنه كان مشهوراً (بالكلام الكثير) عن السياسية والثقافة والرياضة وكانت له شطحات مضحكة وهذا طبعاً متوقع لأنّ الرجل البسيط كان يحسب نفسه من مشاهير الخرطوم وأنه ملم بكل الأحداث والمعلومات عن خريجي الجامعة وأساتذتها وأذكر أنه كان معه من الحلاقين (امين وطلبه) من أبناء مدني حيث كنا نحلق عندهم (بالدين) في الداخلية وندفع بعد وصول المصاريف من الأهل كما أذكر أننا شاهدنا الرئيس الأمريكي يحلق رأسه في (صالون حلاقة بشارع الجمهورية وكنا نتفرج عليه باستغراب...!!! وهذا يؤكد أن الخرطوم كانت عاصمة السلام العالمي.
وظاهر الآن أن ظاهرة إختفاء المقاهي والصوالين العامرة بالرواد من أهالي الخرطوم وهذه كانت لفتات تاريخية عظيمة ساهمت في تقدم الثقافة والرياضة والسياسية وخاصة أن كل أهل الخرطوم كذلك كانوا يتجمعون على الشوارع الرئيسية ليلاً حيث صوالين الحلاقة والمقاهي ودكاكين اليهود والنصاري ومحلات عابدين عوض وسلامة الترزي والتي كان أصحابها خواجات يؤجرونها من السودانيين. ونحن أبناء الخرطوم الوسطى كان أهلنا متواجدين داخل الخرطوم ودائماً ليل ونهار. مثل العم بن عوف سليمان والكوقلى وعلي أبو زيد والأمين باعو وحاج خالد أبو ريدة ويوسف الحاج بزريبة الفحم والمهندس عبد اللطيف بيومي وآل سوار الدهب ببري والعيلفون والناظر محمد عبد القادر والسراج ومحمد أحمد أبو دقن وكان هؤلاء وغيرهم من الأعيان والتجار (قوة لنا) تشجعنا لكي نتطلع للأمام لمعرفة الحقيقة وكنا نرجع بيوتنا معهم ليلاً بسياراتهم الإنجليزية الصنع ومن هنا كان الدفع والإهتمام والمثابرة والاطلاع (والحداقة) (والحوامة)  داخل العاصمة بكل حرية وإطمئنان. نعم هذه هي الخرطوم زمان قرية صغيرة  يتجمع كل أهلها وسكان ضواحيها في حلقة واحدة الهدف منها الكفاح السياسي وهي الوحدة من أجل تحرير السودان من الأجنبي الفاصب ومجتمع الخرطوم زمان أفرخ في افئدتنا خلال الأناشيد التي تدفع للشجاعة والنضال والكفاح من أجل الحرية والتطلع إلي التعليم الراقي العالى حيث كانت دفعتنا خاصة  في الخرطوم الأميرية تتميز دون غيرها من الدفع حيث كانت حقيقة مترابطة متفتحة موحدة نسجها ذو أهداف سامقة تجذبها روح الوطنية الخالصة خاصة أن أساتذتنا الأجلاء منهم الحاج قوش (هاشم) وربيع ومحمد سليمان وعثمان وإدريس المهندس والمجال لا يسمح بذكرهم أجمعين فهم الدفعة التي دفعت الشراع (نحن) تجاه طريق العلم والمعرفة والحرية. فسلام وتحية لكل أهل الخرطوم زمان الذين دافعوا وصبروا وصابروا جميعاً ليل ونهار على شتات ألوانهم حتي نال الشعب السوداني حريته وإستقلاله ولا ننسى أساتذتنا الشجعان الذين كانوا يحكوا لنا تاريخ وقصص أجدادنا المهدى وعثمان دقنة وود حبوبة وعرابي في مصر والسلطان علي دينار والخليفة عبد الله وبادي أبو شلوخ وعجيب المانجلك وحصار وسقوط الخرطوم وحكم (التركية ومملكتي مروي وسوبا ومعارك عمر المختار في ليبيا ومعارك الحربين العالمتين الأولى والثانية خاصة في شمال إفريقيا والحبشة ومعركة فلسطين حيث إشترك أجدادنا في تلك المعارك التحريرية القاسية (هذه الحكاوي) التي جعلت منا (دفعة) فريدة خاصة نحن تلاميذ بالمدرسة الوسطى وهذا يؤكد أن ذلك الظرف في الخرطوم (زمان) كان ظرفاً مميزاً غير مسبوق خلال حقبة تاريخية صغيرة تخللت حكم الاستعمار والحكم الوطني معاً وخلال فترة الثانوي لن ننسى النظار الهادي أبو بكر والسراج هؤلاء النظار العظام الأفذاذ وكنا نسمع كذلك عن نظار حنتوب ووادي سيدنا أمثال مبارك ضيف الله وخلافهم من عمداء وركائز التعليم السوداني خلال عصرهم. والتاريخ السوداني عليه الا ينسى ما قدمه كل المعلمين الشرفاء والاحرار فيما يخص الكفاح السياسي السوداني ابان فترة الإحتلال (المصري الإنجليزي) وكانت كل تلك المعلومات والحكاوي والقصص (خارج المنهج) وهذا ما يدل على شجاعة هؤلاء النفر الوطنيين الذين جعلوا منا ونحن تلاميذ ثواراً أقوياء الشخصيات في الثقافة والمجال الأدبي والسياسيى والرياضة واللغة الإنجليزية خاصة حيث كنا نتحدث تلك اللغة بطلاقة وكنا نفراً كتب شارلز دكنز وشكسبير بكل طلاقة والنطق باللغة الأصلية القديمة وقد كنا حضوراً عند احتفالات رفع العلم عام 1956م بالقصر الجمهوري وحضوراً في كل المناسبات الثقافية والسياسية والرياضية والفنية خلال الخرطوم زمان... خاص عند إعلان الاستقلال من داخل البرلمان. وكان كثيرين من زملاءنا يشتركون في شباب الختمية ذو اللبس الأخضر وآخرين في شباب الأمة وبعضاً في الحزب الشيوعي والاخوان. منتهى الديمقراطية والحضارة... وكنا نحترم توجيهات وآراء بعضنا البعض حيث كان هذا هلالابي والآخر مريخابي وكثيرين اهلاوي و(نيلي) حيث (اورنجيته) والذي كان معنا بالخرطوم الأميرية لاعب نادي النيل الرياضي بالخرطوم. لقد كانت الخرطوم زمان بطناً (حبلى)  أفرخت الصالحين والعلماء والشعراء والمغنيين والرياضيين والقادة السياسين كما رعت وانبتت جيلاً فذاً (الرعيل الثاني) الذي أمسك بالعصا والدفه من الرعيل الأول. بكل جدارة وثقة وإيمان ووطنية.
الحديث ذو شجون حيث نذكر للتاريخ وقفات سياسية وإنسانية عظيمة للزعيم عبد الرحمن المهدي الذي حرّض على إعلان الإستقلال ومن داخل البرلمان ولا ننسى موقف الأزهري عندما هزم حزبه داخل البرلمان حيث ابتسم وقال (مرحباً بالديمقراطية التي أتت بنا للحكم وها هي الآن تدفع  بنا إلي كراس المعارضة وأشار بيده لأعضاء حزبه بالتحرك تجاه مقاعد المعارضة وهنا صفق كل البرلمان إعجاباً بالزعيم الديمقراطي المتفرد والذي فاق بأسلوبه كل دول العالم المتحضر آنذاك حيث أصبح رمزاً للديمقراطية. والخرطوم زمان كانت تشهد أعظم حضارات ورقي حيث كان عمنا عابدين عوض متخصص الأزياء واللبس العسكري الممتاز المميز كذلك العم (سلامـة) المتخصص في الزي المدني الافرنجي الذي كان من أعظم المتخصصين في العالم آنذاك خاصة أن كل الأقمشة كانت من الصناعات الإنجليزية ومطبوع على حافتها (صنع في إنجلترا) ولن أنسى أول بنطلون سلكه إنجليزي اخاطه لي (سلامة) وأنا بالوسطى سنة أولى بالاميرية الوسطى. وتلك كانت من أعظم فترات السودان السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية خاصة وأنه كان هناك ترابطاً قوياً وكبيراً بين القاهرة والخرطوم حيث سعد زغلول الذي يطالب بإستقلال السودان قبل مصر وحيث شوقي وطه حسين والعقاد وحافظ وظهور أم كلثوم والسينما المصرية وكل الكتاب الأفذاذ المصريين الذين كانت كتبهم تصل إلينا دائماً وبإستمرار مثل المنفلوطي وسيد ومحمد قطب والرافعي وغيرهم من المبدعين وكذلك الثقافة العربية والأجنبية حيث المجلات والجرائد والكتب الإنجليزية التي تملأ كل المكتبات خاصة خرطوم بوكشوب) وتباع بأرخص الاثمان.
لقد كانت سنوات زخم لم تشهده المنطقة العربية من قبل حيث كان وقتها الشرق الأوسط قبله يتوقف عندها كل الغرب واليهود خاصة بعد اكتشاف استخراج النفط العربي وبداية مرحلة الثراء عربية جديدة إلي مرحلة الغنى والخروج من حياة البدو والصحراء القاحلة إلي حياة المدن والمكيفات والسيارات الإنجليزية والأمريكية الفارهة حيث الاسفار لخارج المنطقة المقدسة لدول النصاري واليهود !!!! ونحن نعيش تلك الفترة المعاصره في الخرطوم التي اشتهرت (بالقراءة) حيث كانت القاهره تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ.
حيث ظهر أن الخرطوم كانت قبلة الثقافة دون منازع وهذه كانت حقيقة فترة جيل لم ولن يجود الزمان بمثله أبداً.
لأن الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية هي التي اجبرت ذلك الجيل ليتعايش مع تلك الأحداث الخطيرة والعظيمة.
لقد كنا نسمع ونقرأ عن قولدا مايير والملك فؤاد ملك مصر والسودان والسلطان العثماني.
وهتلر وموسولين وايزنهاور ولينين وتشرشل وروزفلت وشكري القوتلي والوحدة التي عقدها القوتلي وعبد الناصر وكنا نسمع عن جومو وبورقيبه وبن بلا. وتمبل باي ونكروما ونهرو وتيتو وغاندي ونسمع عن كارنتي وهيروشيما وناجازاكي. حقيقة كانت أيام وسنوات عشناها زمان بالخرطوم الاميرية الوسطى أياماً مضت لن ننساها وسنوات خلت (حفرت) تاريخاً عظيماً داخل افئدتنا ووسط روسنا وبين حدقات عيوننا ما دمنا على قيد الحياة. ذاكرة تقرأ وتنظر تاريخاً عظيماً إنقرضت ودمرت حيطانه وتغيرت ودرست تماماً كل معالمه الخالدة الطبية ولكن آثاره قابعة وسط عقولنا وعلى القرطاس للحفظ حتى تكون شاهداً ومستنداً لحقائق دامغة لا يمكن لها أن تزول أو تتغير مهما جني الدهر وتفول وظلم... فابناء الخرطوم زمان قادرين على الحفاظ علي تاريخ امتهم حتي يوم الدين. وها نحن اليوم نرسم صورة حية كاملة عن الخرطوم زمان لأن ذلك (مجسم) مفصل وحق وجب لأهل العلم تصويره على الورق لانه تاريخ أمة فذة ومتفردة في يوم من الايام. أما المجتمع الخرطومي الخاص واجتماعياته وعاداته وتقاليده واعرافه سنقدم منها قليلاً مثل اللبس والاعراف والمظاهر. فقد كان لبس العمة الجلابية والعراقي للعامة أما الطبقة الراقية من العمال والموظفين والتجار فكانت ترتدي الجلابية والعمامة والشال والعباءة. أما طبقة  العمال (والافندية) فكانت ترتدي (الشورت) الردي والقميص والبنطلون... أما الخواجات والحراس والشرطة والجنود فكانوا يرتدون الشورط والكسكته على الرأس وكذلك الخواجات والتجار وموظفي الدولة المثقفين لا يرتدون كبقية العرب وكان الموظفين يرتدون البنطلون مع الرأس الكاشف وحلاقة الكري وكذلك تلاميذ وطلبة المدارس. وكانت الخرطوم (فاتحة) الأسواق حتى منتصف الليل ونحوم ليلاً نتفسح. أما النساء يرتدون الثوب السوداني الذي يغطي الرأس أما ظاهرة لبس طاقية (الخاتمية) فكانت الجلابية البيضاء باللياقة القصيرة دون عمامة.
أما طائفة الانصار فكانت ترتدي الجلابية القصيرة والسروال الطويل مع العمه (العزبة) ذات اللسان الطويل خلف الرقبة... وكانت  تلك الظاهرة الإجتماعية تميزاً  لكل واحد منهم لحزبه. أما العمال الذين لا ينحازون لأي من تلك الطائفتين يرتدون الجلابية والعمامة أو البنطلون والقميص أو الردى والقميص الأفرنجي أما زوار الخرطوم من الأرياف والاقاليم فكانوا يرتدون القميص البلدي من الدمور او الدبلان وهذا يميزهم عن سكان الخرطوم. أما الحزاء المانتفلى والشبط الشدة فكانت هي احذية الطبقه العامة والعاملة بالخرطوم زمان حيث أخيراً ظهرت بقطع الفاشر الحزاء الخفيف من الجلد الأصلي الملون باللون الأصفر أو الأحمر وكان هذا لبس الطبقة الراقية من الشيوخ والتجار السودانيين الكبار...
أما شوارع الخرطوم فكانت نظيفة بشكل مميز ما عدا قطار الليل الذي كان يزعج برائحته المفزعة. أما الدقنية وضرائب المواشي كان يتحصل عليها الشيوخ بتوتي والجريفات وشمبات والحلفايا والسجانة ونمرة (3) وبري ويتعاونون مع ضباط المجالس للتحصيل وتوريدها للبلديات التي يرأسها ضابط المجلس الأول.
أما المجلس البلدي فكان يرأسه ضابط المجلس الذي يرتدي الكاكي وعلى كتفه شرائط صفراء وتنقص وتزيد حسب أهمية  المجلس الذي يرأسه. وكان معظم أعضاء تلك المجالس من الشيوخ والاعيان وكان المجلس مسئوولاً عن الأراضٍ والأسواق وجمع الضرائب والعوائد والتصديق على اكشاك  الأسواق ونظافه الطرق. حيث كان المجلس حكومة منفردة (المحلية) ويشرف كذلك على الضواحي والأراضي حول الخرطوم أما (الديوم) فهي عبارة عن احياء سكنية مساحة القطعة حوالي (180) م.م تعطى للعمال السودانيين الذين يعملون مع الخواجات حتي يكونوا بالقرب من مكان عملهم حيث كان موقعها في قلب الخرطوم مثل ديوم بحري والخرطوم. وكانوا لا يسمحون لهم  بالبناء المسلح أو الطوب الأحمر أو عمل سايفونات بل قطعة سكنية مؤقته وبشروط معينه (حكر) لمدة (20) سنه يشترط ان تبني من الطوب (غير المحروق).
والخرطوم توسعت بعد تشييد جسري بحري وأمدرمان حيث أصبحت (العاصمة المثلثة).
أما أسواق اللحوم فكان جميع أصحابها من أهلنا بديم أبو سعد أما الطوب الأحمر كان من نصيب أهلنا بالجريف شرق.
أما الخضروات والفاكهة و من نصيب أهلنا بالجريف غرب وتوتي والأرياف... وبعض الضواحي المجاورة للخرطوم التي تمول منتجاتها المراكز. أما المعالم الدينية فكانت الجامع الكبير الحالى وتلاه تشييد جامع فاروق وهما قبلة العبادة الوحيدتين بالخرطوم زمان ثُمَّ بعدهما شيد جامع شروني جنوب كبري المسلمية.
والخرطوم كما قال لى (سيد أحمد عابدين عوض) كانت (بيت واحد)... وكنا تلاميذ نعرف عابدين عوض والشيخ مصطفي الأمين وكل الخواجات ونعرف كل السياسيين والفنانين والشعراء وكل التجار والمسئولين...
حيث كان يجتمع كل هولاء في ثلاث أو أربعة أماكن ليلاً وكان بينهم أجدادنا وأهلنا ونحن ننتظر العودة معهم البيوت بالضواحي المتاخمة للعاصمة.
إننا مثلاً نجد أن المصريين حافظوا على حضارة أجدادهم من قلاع وآثار حضارتهم القديمة فأصبحت مصر قبلة للسياحة حيث الاهرامات وأبو الهول والقلعة وبئر سيدنا يوسف وحديقة الحيوان بالجيزة والقناطر الخيرية والمتحف بميدان التحرير وكذلك الآثار بأسواق الاسكندرية حيث قلعة قايتباي في وسط البحر وخلافه من آثار كثيرة اكسبت مصر حضارة وسياحة عظيمة... أما نحن اليوم نجد أن آثار الخرطوم زمان قد انقرضت وأصبحت من المنسيات مثل حديقة الحيوان التي كانت أكبر حديقة في العالم وكذلك إختفاء مباني مملكة سوبا تماماً. ولكننا لا نهمل هذا الجانب الحضاري القديم  حيث نسجل اليوم هذا التاريخ على صفحات الورق ونقول للعالم نحن لنا تاريخ عظيم وآثار عظيمة جنى عليها الزمان واغبرها وضيع كل رموزها وصياغتها حيث تغيرت كل معالمها تماماً. ولكننا بهذا القدر القليل نسجل ونوضح ونؤرخ تلك الرموز والآثار لكل الزوار والسياح الاجانب وأجيال المستقبل. وتاريخ الخرطوم ليس تلك الأماكن التي درست واختفت تماماً بل التاريخ الصحيح والمهم الخالد. هو معركة الجردة ضد تركيا شرق موقع مملكة سوبا. وكذلك مملكة سوبا ومعركة كرري ومعركة الخرطوم ضد كتشنر وحصار الخرطوم وتواجد المهدى بديم أبو سعد والشيخ الطاهر ود بدر الذي حاصر الخرطوم شرقاً مع رفقاءه الأبطال حتي سقطت الخرطوم ومصرع غردون باشا  داخل  قصره وطابية أمدرمان  جوار بوابة عبد القيوم ومعركة مستشفي العيون ضد البريطانيين وعبيد حاج الأمين وضباط الجيش السوداني الاحرار وجنودهم الشجعان تحت امره قادتهم عبد الفضيل الماظ وعلى عبد اللطيف وتحريك قوات الجيش السوداني المشاركة في حرب فلسطين عام 1948م وتنظيم الضباط الاحرار.
نعم هذه هي الخرطوم القلب النابض لكل السودان المليون ميل مربع فكانت الحضارة والثقافة والسياسة فهي الشعله التي امدت الاقاليم بكل الاحداث والمعلومات المهمة حيث كان هناك اتصالات قوية بالاقاليم. بواسطة الاحزاب وبواسطة التلاميذ والطلبة ولا ننسى ثقل وتأثير حزبي الامة والاشقاء في الشمال والشرق والوسط والغرب والجنوب.
وحقيقة كانت الخرطوم القدرة والقوة والصدق والإيمان بالقضية الكبرى التحرير والإستقلال منذ عهد بادي أبو شلوخ الذي حاربه جدنا عجيب المانجلوك في موقعه الجريف شرق مكان كبري المنشية الجريف الحالى حتى تمثل وتاريخ الخرطوم لن ينسى حلفاية الملوك والزبير باشا ود رحمة ومعاركه في راجا بجنوب السودان وقضية مكاتباته مع البريطانيين وغيرهم وتاريخ العاصمة الخرطوم لن ينسى إنشاء مدينة البقعه في أمدرمان على يد الخليفة عبد الله وبيت الخليفة وميدانه (وأحياء) الملازمين والامراء وبيت المال هذه الاحياء التي كانت حقيقة (معسكرات) للحكومه الإسلامية حيث الملازمين من حراس وجنود الخليفة (وبيت مال المسلمين وزارة المالية) وحي الامراء حيث يسكن الوزراء والمسئولين.
هذه (البقعة) التي أصبحت اليوم كرش الفيل هذه المدينة الواسعة التي استولى على أرضها سكانها وغيرهم حتي اضطرت الحكومات الوطنية التصديق لهم وتخطيطها وتمليكها لهم أما الخرطوم بين النيلين  فقد اعاد تخطيتها  الحكومات الوطنية المتعاقبة لتملكها المواطنين خاصة العمال والموظفيين حيث الامتدادت الدرجات الاولي والثانية والثالثة وحدث هذا جميعه بعد الاستقلال ونلاحظ في عهود التركية والحكم المصري الإنجليزي وحكم الاحتلال البريطاني أن السلطات ملّكت بعض المواطنيين البارزين من الأعيان والأقطاب الدينية وكبار التجار بينهم أجانب منحتهم أراضي سكنية وزراعية على شاطيء النيلين وبعضاً منهم منحتهم أراضي زراعية حكر تجرد ملكيتها كل (20) سنة لتصبح مدينة  وكذلك تشجيع الاستثمار الزراعي حيث حقيقة زادت مساحات الرقعات المزروعة حول العاصمة الخرطوم حتي تغطي الفجوة الغذائية داخل العاصمة التي يسكنها الجنود والعمال والموظفين والتجار والطلاب والأجانب وخلافهم. وتلك الحكومات الاستعمارية وضعت قوانين في العشرينات والثلاثينات تنظيم تملك واستثمار تلك الأراضي السكنية والزراعية حتي تضمن حقوق المستثمرين... وكانت (الحكومة المحلية) البلديات تشرف على تنظيم وحفظ سجلات تلك الأراضي في كشوفات سرية حتي لا يمكن تعديلها أو التلاعب بها حيث تسمى (السجلات). وحقيقة كانت تلك الإجراءات وتنظيم الأراضي التي تتبع جميعها للدولة وفي نفس الوقت تضمن للمواطن حقاً قانونياً (للتملك). وبما أن السياسة في دول بريطانيا العظمي آنذاك (الكمنولت) وكل الدول المستعمرة كانت سياسة (هادئة) ومن هذا المنطلق اهتمت حكومة الاحتلال بالسودان ببيتين الميرغنية والأنصار... حيث سجلت لهم بالعاصمة أراضي واسعة سكنية وزراعية باسم السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي حتي يمكن كسبهما سياسياً وتفادياً لأي لون من ألوان الكفاح السياسيى أو المسلح ضدها.
ونلاحظ أن هذه التسجيلات أوقفت بعد الاستقلال وإستمر قانون الأراضي لسنة 1936م وضع اليد ولكنه عدل حتي يقلل الحصول على تملك أراضي كبيرة سواء زراعية أو سكنية حيث نفذت الحكومات الوطنية الحصول على أراضي السكنية عن طريق الخطط الإسكانية وحق الأراضي الزراعية عن طريق الحكر... الزراعة الآلية والتروس... وهذه أراضي  للزراعة فقط... لا يسمح البناء فيها إلا منزل واحد ليسكنه صاحب القطعة الزراعية المصدقه (حكراً).
ونشاهد أن الحكومات الاستعمارية خاصة الإنجليزية إهتمت بتلك (الجروف) وسجلتها لأصحابها (ملكاً حراً) وهي الرقعة الصغيرة على شاطئ النهرين حول الخرطوم والتي يغطيها الفيضان سنوياً ويكسبها الصلاحية  لكي تزرع بالخضروات وصناعة الطوب الاحمر وحيث الطمى الذي يصلح لصناعة الطوب حتي يمكن بناء العاصمة الخرطوم وتغذيتها بالخضروات والفاكهة والطوب الأحمر.
مع ملاحظة أنّ هذه الأراضى الزراعية كانت تسجل بالحبال وهي مقاييس أما حبل خماس أو ثماني... بمعني (يارده) دون  تحديد (للطول لان اطوال الأرض (الجروف) كانت تختلف نسبة لتعرجات النهرين وكانت تحدد المساحات بحجارة تدفن علي الأرض تكون  معروفة للجميع وتوضح المساحات علي السجلات. وتعطي شهادة موثقة لأصحاب الأرض (شهادة بحث) وكان بهذه الشهادة يحق لصاحبها بيعها وتغييرها في اسم المشتري. ولقد كانت السياسة الاستثمارية تشجع سكان ما حول الخرطوم على البناء والزراعة خاصة أشجار الفاكهة والنخيل. حيث كانت الخرطوم آنذاك (خلاء جرداء) موحشة. وقد نجحت تلك السياسة خاصة بعد زيادة كمائن الطوب الأحمر حول وداخل منطقة الخرطوم جوار النهرين وإنتاج كل أنواع الفاكهة المحلية.
ولا ننسى المباني والعمارات المسلحة التي أنشئت مثل المطاعم والكافتريات المشهوره التي كانت تتوسط السوق الافرنجي ذات المساحة الواسطه ليلاً خاصة شرق السفارة البريطانية وجنوب وزارة التجارة حيث كان ترتادها الطبقة الراقية من أهالى الخرطوم ومن العمارات التي قامت في ذلك الزمن عمارة أبو العلا وعبد المنعم محمد وبعدها عمارة الشيخ مصطفي الامين. هذه الأماكن التي كانت (الملتقي) الفكري والسياسي والادبي والاجتماعي لأهل الخرطوم وحيث كانت (القاهرة) بعد فتح مدرسة الخرطوم الاميرية الوسطى.
هي المدد لكل تلك السفارات والآراء والافكار حيث كانت هنالك نهضة وثورة أدبية وسياسية غير مسبوقة في تاريخ البلاد وهذا ما قام به مجتمع الخرطوم (البيت الواحد) وكان كل ما يحدث بالقاهرة يصل باسرع ما يمكن للخرطوم حيث كان لحزب الاشقاء علاقة قوية مع الحركة السياسية الدؤوبة بالقاهرة حيث المطالبة بالجلاء عن السودان ومصر خاصة ان الصحف والمجلات المصرية  تصل إلي ايدى (الخرطوميين) باستمرار وكان تلاميذ وطلبة المدارس والجامعات يحملون تلك الشعلات إلي الاقاليم وضواحي العاصمة لقراءتها علي الأهالى البسطاء بالارياف واذكر ان يومها ان دعوه (وحدة وادي النيل) كانت تجد تشجيعاً كبيراً من أعضاء حزب الاشقاء الشيء الذي ربط الشعبين المصري والسوداني في بوتقه واحده ضد الإنجليز وكان هذا التقارب قد أدى الي حده التباعد والمقاطعة بين (الانصار والختمية) حيث ان الأنصار  بدأوا يلجأوون إلي الانجليز لاتخاذ قرار السودان للسودانيين لا مصري لا بريطاني وساعتها بدأت العداوة بين العمه العزبة (والجلابية بلياقة قصيرة بالطاقية).
ولا ننسى أن نذكر تلك الاستعراضات الحزبية الشعبية الطائفية التي يقوم بها الأنصار في ميدان الخليفة خلال احتفالات المولد النبوي الشريف وكل المناسبات واحتفالات الختمية في ميدان السيد علي ببحري حيث يقدم كل من الطائفتين أكبر عددية من أنصاره كإظهار قوة وتأكيداً للزعامة السياسية والدينية معاً ورغم أن ثقل جماعة الانصار بالاقاليم خاصة في كردفان ودار فور والجزيرة المروية... إلا أن جماعة الختمية كانت تحظى بأغلبية واسعة داخل الخرطوم العاصمة المثلثة والشمالية حيث انتشار الخلفاء الختمية حول الضرائح والمساجد والخلاوي والبيوت الدينية بالضواحي.
وحقيقة كانت تلك سنوات عظيمة لها نكهة خاصة فريدة في تاريخ السودان المعاصر خاصة بعد ظهور الخلاوي داخل حزب الآشقاء وضلوع الزعيم السياسى الأزهري الذي قاد دفه السياسة العامة خلال تلك الفترة المميزة من تاريخ الخرطوم وقد كنا حضوراً ونذكر أن بعضاً من تجار الحزب الاتحادي جمعوا أموالاً وشيدوا للأزهري منزله الحالي غرب كبري شمبات. ومن ظرائف حكاوي ونوادر الخرطوم زمان...
حكايات (عم طلقه) الذي كان (يخبط) كل من حوله عندما يسمع كلمة (طلقه) وكذلك حكايات استعمال مصران الخرفان الطويل ونفخه لسرقة دجاج الخواجات أمام منازلهم بنفخ المصران بعد وصوله لداخل معدة الدجاجة. ولا  ننسى البص الوحيد الذي ينقل ركاب الجريف شرق داخل الخرطوم والذي يمر بالقرب من الجروف وننزل منه قبل صلاة الصبح لنحصد الخضروات بالجروف ونضعها مع المزارعين على ظهر البص ثم بعدها يستمر البص ليصل الخرطوم بعد فوات زمن (جرس الدخول) بساعات.
ولا ننسى (ملوص) لعبة القمار بخيط لمبة الجاز (حبوبة حجين) التي كان أصحابها يتواجدون حول ميدان السوق العربي الواسع. أما كرس الحلاقة (الخشبي) الذي كان صاحبه يحلق دون رخصة تحت ظلال الاشجار والذي كان يخشاه رجال البوليس عندما يطاردونه فيسقطونه من خلفهم تحت ارجلهم فيسقطون علي الارض بعد أن يختفي الحلاق بشنطته الصغيرة.
وبعد أن يهرب ويترك كرسى الخشب يحطم رجل الشرطي ويده الثانية بها شنطة الحلاقة ولاننسى ترمبل كنده جدنا الشيخ ود النزير من أم دوم الذي كان يضع سبحته فوق أذنه ويقود بصه داخل كوبر في الخريف يتجه جنوباً وإذا بالسيارة تعطف شمالاً وتسير كما تشاء ولا يستطيع كبح جماحها إلا (بلا اله الا الله) حيث كانت ارض كوبر طينيه بشكل كبير حيث كانت تدور في كل الاتجاهات داخل الطمى ونحن نضحك.
وأذكر قصة (مطعم الإستقلال) عندما حضرنا لأول مرة للخرطوم الأميرية الوسطى وطلبنا طلبات كنا نظنها راقية حيث لا نعلم عن أسماء الطلبات ذكرها لنا الجرسون (مصقع وشريفه ونورا) فوضع الجرسون امامنا اسود وخضره وقرع وهنا إنفعل صاحبنا وقال!!! أين الطلبات!!!
وهنا ضحك الجرسون وبعدها ذهبنا لنأكل فول اليمانية الموجود في كناتين الخرطوم ليل ونهار ذو النكهة والجودة والطعم المميز حيث كان اليمانية ينامون داخل وامام الدكاكين. لقد كانت فترة الخمسينات ونحن في المرحلة الوسطى بالخرطوم الأميرية الوسطى فترة ترابط شعبي وأدبى لأول في التاريخ حيث ذكرنا انفاً كان هناك الرباط القوي بين شعبي وادي النيل تلك الرابطة التي ادت اخيراً  إلي إعلان إستقلال السودان بوصفه الجغرافي (مليون ميل مربع كما كانت الاحداث العديدة المهمة التي ذكرتها كانت  العمدان الاساسية والقواعد الثابتة التي قادت لتحرير شعب السودان الموحد آنذاك أما شجاعة المعلمين في تلك الفترة الخطيرة والعصيبة أكدت على أنه كانت هناك عصبة مخلصه من رجال التربية  والتعليم أهلت بجدارة وعرّضت ذلك الجيل من التلاميذ ليقودوا الحركة والمقاومة السياسية حيث كانوا يحركون أهليهم في الضواحي والاقاليم ويدعونهم ويشرحون لهم أهمية الحرية والديمقراطية... خاصة بعد ان آلت السلطات بـالسودان للبريطانيين وحدهم. (والخرطوم زمان) دون شك كانت السبب المباشر والرئيسي الذي أدى أخيراً إلي الجلاء وتحرير السودان ليصبح من أوائل الدول الإسلامية  والافريقية والعربية التي نالت استقلالها...
ولذا وجب علينا إخراج ذلك التاريخ العظيم  بصورته الحقيقة وثوبه الجميل والصحيح دون غبار ونحن شهود عيان وحاضرين العصر على تلك الاحداث المتفرده خلال حقبة عصيبه من تاريخ هذه الامة الطيبة.
ونقول نعم لقد نجحت الحكمة البريطانية في (خلق) بين النيلين (خرطوم الفيل) مدينة حديثة حيث غيرت وحشتها التي هرب منها أجدادنا لصعوبة السكن فيها لأسباب عديدة منها البعوض وعوامل الأرض وتعرجاتها والاشجار والاعشاب والغابات المظلمة الموحشة العشوائية.
والخرطوم اليوم  شيئاً آخر!!!
أفخر المباني وأحدث السيارات وأجود ما أنتج العالم من خيرات وتقنيات وصناعات ولكن على حساب وتضحية ومجد وتاريخ الأجداد العظام خاصة الشيوخ ونذكر من هولاء الأجداد والشيوخ ود طراف الذي الذي دفن شمال سوبا شرق وجنوب أم دوم بين أهله وعشيرته.
ونذكر من هؤلاء الأجداد العظام الشيخ الطيب عبد السلام بسوبا شرق والذي حصل علي ثلاثه وظائف ورتب رسمية.
الأولى وظيفة (إغا) في التركية والثانية وظيفة (أمارة) في عهد المهدي والثالثة وظيفة (عمودية) ايام الحكم الإنجليزي...
أما الشيخ عبد السلام فقد ساهم في تشييد القضائية والمديرية في العهد التركي من طوب مملكة (علوه) سوبا وكان  شقيقه القائد العسكري (محمد) الذي قاتل وإستشهد في معركة الجرده شرق سوبا والعيلفون... وقد خلفهم الأبن العمده التجاني وكان رئيساً لمحكمة  العمد بمنطقة شرق النيل في عهدى الحكم البريطاني والوطني وللامانة والتاريخ يجب أن نشير اننا لم نسجل هنا ما سجله المؤرخون عن الخرطوم زمان ولكن نستعرض القليل من كتاب سعادة المستهدي بسيرة الأمام المهدي لأسماعيل عبد القادر الكردفاني.
ص. (324) .. وهذا وقد كان المهدي عليه السلام خاطب عبد الرحمن النجومي يأمره بان يوجه عبد الله ولد جبارة وشيخ فضلوا ولد أحمد إلي جهة شرق الخرطوم لملاقة ولد أحمد الي جهة شرق الخرطوم  إلي العبيد ولد بدر ومن جهة ويحاصر الخرطوم بتلك الجهة كون العبيد المذكور كان قبل وصول عبد الرحمن النجومي بتلك الجهة فتأخر شيخ فضلو المذكور لدى مرض منعه من التوجه إلي الجهة المذكورة. وأما عبد الرحمن ولد جبارة فقد تجاوز البحر بالمراكب بمن معه من أهالى وتوجه لجهة الشرق المذكوره أنفاً شرح (1) نفس الصفحة  قلنا كان العبيد بدر من اعيان الدين وكان كبيراً سناً ولذلك لم يشترك في القتال بنفسة إنما قام بذلك ابناؤه. وقد توفي بعد فتح الخرطوم بقليل وهو قادم لزيارة المهدي كتاب السودان عبر القرون مكي شبيكه ص(343) وأخيراً وصل الأنصار وعددهم يزيد عن الستين الفاً وتمركزوا في ديم أبي سعد مسافة ساعة واحدة جنوب الطابية أم درمان في يوم 23 اكتوبر 1884م.
ص(66ـ67) يذكر رجال الدين إدريس ود الأرباب وحسن ود حسونا وإبراهيم البولادي ومحمد المصري وتاج الدين البهاري وأهم حدث هو خروج الشيخ عجيب المانجلوك علي الفونج والتقاه جيش الفونج مع جيش العبدلاب في الجريف كركوج على الأرحج على النهر مع عساكر عجيب ومات في المعركة وفرت عائلته الي دنقلا ولكن بواسطة الشيخ ود الأرباب رجعت عائلته وأقام المك عدلان والعجيل أكبر أبناء عجيب بقرية (قري) وفي كل هذا كانت في تلك الأرض نهضة تعليمية ودينية بواسطة بعض الرواد من أنحاء العالم الإسلامي ومن السودانيين الذين درسوا بالخارج خاصة الأزهر... وكان حكم عجيب وعبد الله أكثر من مائة سنة.
ص (105) ... ونذكر هنا أن الشيخ الطاهر العبيد بدر قائد جيوش منطقة شرق النيل إبان حصار الخرطوم تزوج في الجريف من السيدة حليمة بنت أحمد فضل الباري من أحفاد الشيخ خليل بن الشيخ محمد الحجازي رجل كركوج المذكور في طبقات ود ضيف الله ص (65) حارب الشيخ عجيب بالخرطوم بحري... ص (154) تحقيق كركوج قرية جنوب الخرطوم بحري أي شرق النيل الأزرق وتعرف الآن بالجريف كركوج.
ص (178) نزل عجيب صوب زراعة له مضرب فيها أحد زوجاته نازله في الجريف قمر صعيد الزراعة والأخرى في أبو نجيلة سافلها احداهن تحقيق (2) ص (6) ان اسمه محمد العجيل بن عجيب الحاج وهو الذي تولى الحكم بعد قتل اخيه في كروج وذهب الي دنقلا وهذا يعني وجود العاصمة بكركوج الي تحقيق (13) واحدة من مجموعة القرى التي تعرف بالجريفات علي بعد بضع كيلو مترات جنوب شرق الخرطوم وشرق النيل الأزرق وتعرف بجريف قمر وجريف كركوج. (تحقيق) ص (236) قرية  علي الشاطئ ايمن النيل الأزرق خطى 35ْ و 15ْ شمالا و 36ْ و 31ْ شرق وهي واحدة من مجموعة قري الجريفات الواقعة جنوب الخرطوم بحري.
ص (43) في سته تسعة عشر بعد الالف توفي الشيخ عجيب حضر الشيخ صغيرون والشيخ عبد الرحمن حمدتو من دار الشايقية وقد ذكرت كركوج في نفس الكتاب في الصفحات (61 ـ 64 ـ 65 ـ 154 ـ 178ـ 187 ـ 136 ـ 330) وقد ذكرت أماكن الجريفات (قمر) في الصفحات {225 ـ 233 ـ 178} ص (319) و ص (318) أما  محمد عثمان الذي حضر من بقعة المهدي بكردفان نزلوا باقصى الجريف مما يلى الخرطوم...
أما الشيخ محمد الحجازي والشيخ صباحي والشيخ موسى والشيخ طراف والشيخ عبد الصادق وود حسيب والشيخ سرحان والشيخ الحادو عاصروا دولة الفونج وما تزال مساجدهم وقبورهم متواجدة بالمنطقة بالجريفات.
كتاب السودان عبر القرون ـ ص (322) أشار ان الشيخ العبيد ود بدر كتب إلي علماء الخرطوم انذاك يطلب منهم ايقاف نزيف الدم والتسليم للمهدي وهذا ما نقله البرق من الحكمدارية الي المعية بتاريخ 27 يناير 1884م .
وجاء الرد من القاهرة برفض الطلب في نفس اليوم وبهذا القدر القليل نكون قد اوفينا ووضحنا بعضاً من اهمية منطقة الجريفات في تاريخ الخرطوم زمان وعلى شهادة موثقة تاريخياً...
وظاهراً أن العاصمة يومها لم تكن الخرطوم قبل الإحتلال بل كانت الجريف كركوج حسب توثيق كل هولاء الكتاب وغيرهم ووثائق وتاريخ الخرطوم زمان جميعها تشير لذلك.
ظاهر أنه تاريخ مرتبط بتلك الارياف والضواحي والقرى المجاورة خاصة ما قبل الاحتلال التركي والبريطاني المصري حيث ظهر الصالحين الصوفية الاقطاب الكبار اللذين كانوا اساس تلك النظرات والنقلات. الدينية التي حولت مجتمع الخرطوم وما حوله من دوله المسيحية (علوى ـ سوبا) المجاورة ما بين النيلين لتلك الحوازات الدينية المختلفة مثل القادرية والسمانية والتجانية وغيرها من طرق جميعها كانت صوفيه. الشيء الذي غير سمات وعقول اهالي الخرطوم حيث (النوبات) والطاروالحوليات والطبول وحلقات الذكر والبيانات واحتفالات المولد النبوي ونار القرآن والخلاوي والتكية واللالوبة والموصي والدبليبة والمطموره والركوه والحوار والحِيران والخليفة والمشايخ والمديح والملاح والطاقية ام قرنين والجبة والدراويش وسوط شيخ الخلاوي والخيره والعمل والعين والزيارة والضريح والفُباشه والمقَدم والسجاده والتقابة والليلية واللوح والمِحاية والشرافه والخَتمة والبنيّة والمكّية والسِتُوت وعاشوراء وليلة القدر والزكاة والفطرة والوقفه والعيد والاضحية والديوان وصحن الخشب والقَرعَة والبخور والقرض والبَخرات وأم الفقرا والفقير ومولانا وشيخنا والخليفة والسائح والفكي والقِربة والسِعن والجَبَنه وأم شِعيفه والحَلقَه والمَسيد والأبريق والمُصلاية والرَاحِله والزامله والملازم والقمبور والقفطان والفرجّيه والملفحه والصاجن والدوكة والمفراكة والسَرِج وحَرف الكسره والرقاق والمفراكة والريكه والخمارة والعجيبن والعَصيده والمَدِيدَه وأم تكشو والتَبروقة والرايات والبَركة والمَشيَخه والعُمودية وأغا والولاية والإماره. وقد اشتهر مجتمع الخرطوم زمان علي كثير من تلك الكلمات التي اضاف عليها الأتراك كثيراً  من كلمات مثل: (دبخانه ـ إجزخانه ـ سلخانة ـ جزلان) وهكذا عاش مجتمع الخرطوم زمان وما حولها من القري والضواحي خاصة بعد أن إنتشرت خلاوي الصوفية وزيادة اعداد الطرق الصوفية ودخول الثقافة التركية  والمصرية والبريطانية.
حيث كانت الخلاوي هي الأساس لتعليم القرآن الكريم واللغة العربية بواسطة الفكي وتعليم الفقه قبل أن تفتح مدرسة الخرطوم شرق والخرطوم الأميرية الوسطى.
وكان الجامع الكبير بالخرطوم وجامع فاروق أماكن تعليم الفقه والتوحيد بواسطة العلماء والفقهاء والفقراء المتبرعين من أنفسهم. ولا ننسى ان نذكر ان البريطانيين قد ارسلوا للندن عدداً كبيراً من السودانيين النابغين (الشطار) واولاد الاعيان والتجار لتعليم اللغة الأنجليزية وخاصة من ابناء البيوت الدينية الكبيرة وسجلت لهم داراً هناك (بيت السودان) حتي يمكن لهم نشر الثقافة الغربية بالسودان ولنشر المسيحية مستقبلاً ومن الظواهر الدينية والاجتماعية والصحية (الحج) (زمان) وكانت عملية الحج تتم  بكل مشقة وعناء حيث السفر بالدواب والمراكب الشراعية عن طريق ميناء سواكن. وكان عادة لا يَقدِم للحج إلا كبار الأعيان والتجار حيث كان الحج مكلف ويستغرق الشهور الطوال حيث يأخذ الحاج معه (الذواده) من الدقيق والويكة واللحمة الناشفه (الشرموط) والكسره المجففه .. وكانت العادة أن يستقبل الحجاج العائدين خارج القرية او الخرطوم بالالاف من النساء والرجال والاطفال والزغاريد وكان الحاج لا بد ان يأتي وطاقية (المكاوية) علي رأسه ومعه ماء زمزم والهدايا من السبح والطواقي البيضاء .. وكانت الطاقيه المكاوية مزركشه وملونه شبيه بطاقية النيجيريين الحالية ... وكان استقبال (الحاج) بالذبائح والنوبات و(النحاس) والمدائح . أما ظاهرة الطهور فكانت عن طريق الفص بواسطة الخبير المتخصص وليس عن طريق الأطباء... حيث كان يقف الصبي وهو مزين ومحفل بالذهب والهلال علي جبينه والحرير علي ايادية والضريرة فوق وسط راسه والسيف علي يده اليمنى ومجرد قطع (العنبه) يزغرد النساء وإعطاء الشبال للشباب وتقام الولائم. ومن الظرائف زمان بعد الطهورة.
سرقة البيوت لكي يحضر النساء لاستلام المسروقات ويعطين الدية تحت مخده الصبي المطهر دلالة علي المساعدة في الغذاء نتيجة الدم الذي سقط ثم يسمح لها أصدقاءه بأخذ المسروقات.
ومن الظواهر الصحية الشفخانات والحكيم وهو شخص ذو خبرة بالطب البلدي شبيه بالمساعد الطبي... وهو مسئول عن كل الشفخانة وحدة... وكل ادويته (الملح الأنجليزي) وحبوب السلفه الذي يكون مرصوص فيها على رفوف الشفخانة وهذا هو كل العلاج المتيسر يعطي لكل مريض سواء وجع رأس أو حمي أو خلافه حيث يقول لكل (الحكيم) المساعد الطبي كل الأمراض وساخة في المعدة وكنا نهرب من الشفخانات لان القلوى كان صعباً بدرجة  لايمكن شربه أبداً...
أما الولادة فكانت شيئاً قاتلاً حيث الحبل علي ارجل الحامل والقابلات كبار السن حيث لا توجد ولادة قيصرية أو أطباء متخصصين وعادة كان يضع المصحف الشريف علي تربيزة بجانب رأس المولود الجديد حفظاً من الشيطان ولم تكن هناك سجلات حيث لم تكن هنالك حكومة رسمية...
   أمـا الزواج وطقوسه وكل مراحله تبدأ غالباً بالاختيار بواسطة الاعمام والاخوال والخالات والعمات منذ الطفولة وكثيراً ما تعطي والده العروس (قولت خير) وهو مبلغ بسيط عبارة عن (فتحة خشم) . وتبدأ المراحلة الأولى من بعد القبول والدخول في مراسم الاحتفالات و(الدخلة) تبدأ بعد بلوغ  سن الرشد وتبدأ تلك المسيرة (بالحنة) على ايادي وارجل العريس بواسطة شقيقاته وبنات عمومته واخوانه ودلك جسمه بالمحلب خلال حفل عائلي صغير... تكون فيه تبرعات وهدايا الأهل والأصدقاء علناً (فلان دفع كذا  وفلتكان دفع كذا..) وهذا مع زغاريد النساء خاصة إذا ما دفع  احدهم كثيراً من المال...
وهنا تختفي العروس في بيت أحد أقربائها لتجهيزها بالحنة وكل وسائل التجميل المتيسرة آنذاك وغالباً ما يدلك جسمها بالدلكة وهي العجيبن المخلوط مع الآرياح . وخشب الصندل والمحلب وكذلك استخدام الصمغ العربي لنظافة الجسم مع توزيع الأرز باللبن على الحاضرين والجيران وخلال تلك الفترة يكون (خلاص المال والشيله قد وصلت خلال (سيرة صغيره) لمنزل العروس ومن عادات أهل الخرطوم زمان ان يتم سكن  العروسين في حوش والد العروس ولا يقبل رحيل العروسين لمنزل أهل العريس الأ بعد سنوات  طوال... ويقوم والد العروس ببناء وفرش غرفة العروسين وبعد الولائم والزبائح (والسيرة) لمنزل العروس حيث تقليد غناء السيرة (العديل والزين... الليلة العديلة تقدمه وتبراه... وغناء (الحجل بالرجل يا حبيبي سوقني معاك) وبعض الأناشيد الدينية التي تحفظ من العين والسحر والشيطان.
وفي أثناء الحفل الغنائي بمنزل العروس بعد وصول السيرة... يجتمع المغنين والمغنيات وتدق (الدلوكة والشتم)... ويخلع الشبان ملابسهم من على ظهورهم إستعداداً للضرب بسياط (العنسيت) العنج الأصلية حتى تدمي ظهورهم وهنا يزغرد النساء لشجاعة الشبان وكانت هذه عادات قبيلة الجعليين.
وبعد نهاية الاحتفال العام يكون هناك احتفالاً مصغراً نفس الليلة بغرفة العروسين أو (على الحوش) فيه (يقطع الرحط)... حيث تهيأ العروس وتلف بفركة القرمصيص الحمراء اللون وتلك مع لباس طويل (سيور) مصنع من جلد مزركش (تَرى ولا تُرى)... وهنا ترقص العروس أمام الحاضرين من العائلة لتوضح محاسنها وتبدي انوثتها ومفاتنها وبعدها يحضرون (بكورية) مليئة باللبن يشرب منها العريس أولاً (ويرش) عروسته باللبن بواسطة فمه وبعدها تقوم العروس بنفس العملية.
وهنا يكون العريس (محفل) بالسيف على يده اليمني والهلال الذهبي على جبينه والحرير على (رسوه) يده اليمني والارياح والضريرة على رأسه والسبحة حول رقبته... وأمامه (الخف) الذي تضع فيه (الخُمرة) والأرياح المحلية السودانية... المكونة من عدة أشياء كثيرة (خشب الصندل وريحة الصندلية الهندية والضفرة وخلافه. ومن الأشياء اللطيفة... أنه أثناء رقص العروس لقطع الرحط تسقط على الأرض فجأة وهنا يجب على العريس أن يقبض بها بسرعة فائقة ولا يسمح لها بالسقوط على الأرض حيث لا يدخل عليه (القون) (أي يعني محاوره ولعبه حذرة) وإذا فشل العريس في قبض عروسته (عدة أدوار) عليه دفع غرامة للعروس. وبعد إتمام عملية قطع الرحط والدُخلة على العريس صباح أول يوم له بمنزل العروسة أن يأتي (بالحلاله) وهي خروف يذبح ثاني يوم ومعناه (حلت لك العروس).
لم يكن هناك عمليات سفر (شهر عسل) بل أنّ العريس يظل مع (نسابته) لمدة قد تصل لأربعين يوماً فيها يدلك جسمه بالمحلب ويتغذي باللبن ومديدة البلح بالسمنة البلدي المصنوع من قشطة (الماعز)... ويقال أنّ في تلك الفترة (أن الملائكة تلازمه!!!).
ومن أهم الأشياء أن يثبت العروس والعريس (شرف العروسة) حيث يزغرد النساء صباحاً وتشيع أم العروس شرف بنتها على كل زائرة لهم من النساء وبواسطة (الملاية).
ومن العادات السائدة زمان أن العروس لا تسمى اسم والد زوجها أبداً احتراماً له مثلاً تقول (يا خالي يا عمي) كما أن والد العروس لا يمكن له أن يطأ فرش بنته أبداً احتراماً للعلاقة والرابطة المقدسة أما (عنقريب القد) المصنوع من الخشب الصنط المنحوت وجلد (البقر) (العالي الواسع) وهو اثاث غرفة النوم الرئيسي... بجانب (الخف) (والفضية).
أمّا من العادات والتقاليد زمان أن يزور العروسان البحر ليلاً ويقطعون جرائد النخيل حيث تضع داخل غرفة النوم (تيمناً) وبركة وحفظاً من عين الحسود والجن خاصة بعد غسل أرجل وأيادي ووجهه العروسين بماء البحر (النيل) الذي يعتبرونه مقدساً.
ومن العادات زمان أن الدلوكة تضرب طيلة فترة الزفاف حتى خروج العريس من منزله للعمل في الزراعة ولو كان لأكثر من أربعين يوماً حيث تعيش الأسرة في أفراح دائمة... وكانت تلك الأغاني بواسطة الفتيات الصغيرات حيث لا مدارس أو مسؤوليات لهن.
ومن العادات زمان بخصوص تجميل العروس وتهيئتها لبس الحِجل الكبير المصنوع من الفضة يضع على كعب الرجلين ووضع (الغِدْوة) الحلق الكبير الذهبي على الاذنين حيث تدرب به عدة أيام على الرقص وعمل (مقالب) للعريس لكسب الجولة أثناء قطع الرحط وكانت هذه التدريبات حقيقة قاسية وشاقة على العروس حيث تأخذ عدة أيام مستمرة حتى لا تتعب أو تدوخ أمام الحاضرين يوم الدخلة. وقطع الرحط يعني أن العريس لابد أن يقطع قطعة من لباس العروس المصنوع على هيئة حبال صغيرة من الجلد أثناء رقص العروس... وهي تتمنع وتحول بينه وبين نزع تلك الفتلة الصغيرة.
ومن الظواهر الجميلة وقتها استمتاع ومشاركة النساء الكبار بتلك المناسبة بالرقص وهن يرتدين الثوب السوداني وكاشفات الرأس يرقصن رقصة الرقبة الوحيدة والشهيرة زمان حيث إعطاء الشبال لكل من يدخل حلقة الرقص من الرجال أو الشباب... وكانن (يحمسن) الجميع ويهيّجن الحاضرين حيث انهن الأمهات. وكان لتلك اللحظات نكهة خاصة في نفوس كل الحاضرين حيث يتهيّج الآباء والاجداد وتصبح حلقة الرقص والغناء (قلعة) قتال (لعب) بالسيوف والعصي وكل أنواع السلاح والخيول وهنا يبعثر الشبان ورق النقود على جبهة العروس.
أنها لحظات بهجة تاريخية قل أن تحدث خلال هذا الزمان حيث الجميع فرحين وسعداء ومستبشرين ومتعافيين كثيراً وصغيراً.
والخرطوم زمان كانت قبلة الأفراح والاستمتاع خاصة بعد أن ظهر فناني الحقيبة وشعراءها الذين ذكرناهم قبل حين. أما فناني الدوبيت والطمبور والحوحاي كانوا يفذون تلك الحفلات بشكل كبير. وكان يؤديه (الصُيّاع).
والخرطوم زمان كانت آمنة تماماً حيث يسير هؤلاء الصياع بعد منتصف الليل آمنين حيث لا يوجد (أشرار أو لصوص أو غرباء)... وكانت منطقة الجروف والكمائن آمنة لأن العمال والزراع كانوا من نفس أهل المنطقة كما أن سكان الهوي (الجريف غرب) والشرق (الجريف شرق) أسرة واحدة لجد واحد وجدة واحدة.... وأبناء عمومة مع أهل الفتيحاب والرميلة والمقرن وبرى وسوبا شرق وغرب وكانت مقابر الجريفات الشرقية والغربية هي مقابر (الشيخ صباحي) بجريف قمر وحيث خرجت روح الشيخ (ود ريا) ود بدر بالجريف أثناء خروجه لمقابلة المهدى بديم سعد ووضع له (بيان) بمقابر الشيخ صباحي وسمى البيان (روح الشيخ ود بدر).
والخرطوم زمان لن تنسى فضل تلك الضواحي القريبة حيث الغذاء وكل مواد العمران منها كما شرحنا مسهبين سابقاً.
ورغم أنّ الاحتلال العثماني برئاسة (محمد علي باشا الكبير) كان هدفه جمع الذهب من جبال بني شنقول وأسر الرجال كعبيد من الجنوب وأخذهم لتركيا إلاّ أنه كانت هناك نكهة حضارية راقية بوجود الأتراك. بل واقع وحقيقة أن الأتراك وضعوا لبنة إسلامية أصيلة بالخرطوم خاصة حيث شيدوا وساعدوا كثيراً على نشر الإسلام بتلك المنطقة القاحلة الصعبة خاصة بين النيلين... وكان بناء الخرطوم ونظافة منطقته ليسكن المواطنين الشيء الذي جعل الخرطوم بلدة صحية تصلح للسكن. مع ملاحظة أن فترة التركية السابقة كانت فترة الرواج الديني الأساسية بالخرطوم بل وكل السودان حيث كانت النعرات والدعوات والطوائف الصوفية هي الوحيدة آنذاك حيث الصالحين والكرامات وعقاب الحيران الملتزمين وسجنهم داخل خلوات العبادة ومعهم (سبح اللالوبة الألفية) للتوبة.
وخلال تلك الفترة (التركية) ذاع صيت وسمعه هؤلاء الاقطاب الشيوخ بكل قري السودان وكانت الخرطوم أساس ذلك النمط وذاك الانتشار حيث تواجد الاقطاب الصوفية الذين ذكرنا اسماؤهم قبل حين من توثيقات ود ضيف الله والكردفاني.
كما نؤكد أن اللغة العربية والقرآن وتعاليمه المختلفة لم تجد رواجاً وفسحة كبيرة إلاّ في تلك الفترة حيث قدم الأتراك كل أوجه التسهيلات والمساعدات لنشر الدعوة الإسلامية مع ملاحظة أنه لم تظهر أية حوزات دينية أو طائفية أخرى خلاف (الطريقة الصوفية) التي وجدت ترحيباً كبيرا ًخاصة من البسطاء (الثقل الأكبر من مجتمع الخرطوم زمان) حيث الأمية المتفشية تماماً.
وقد كان أجدادنا الكبار المسنين يحدثوننا بما حدثهم به اجدادهم (العجائز) عن حال ما بين النيلين (خرطوم الفيل) تلك المنطقة الخالية من أية سكان حتى كان السكان حولها يخشون دخولها إلا ومعهم السلاح الأبيض وبجماعات كبيرة خوفاً من الوحوش وقد كانوا يحدثوننا عن (التمساح العشاري) الذي هدد أرواح أجدادهم وانعامهم وعيالهم بشكل مفزع وخطير حيث (خطف) كثيراً من الأولاد والبهائم.
كما كانوا يحدثوننا عن أساطير وحكايات (الجن) الذي يشاركهم ويتعايش مع الناس حيث كان (الشيوخ) والسحرة يملكونه ويستغلونه ويسخرونه لخدمة أغراض خاصة وعلاج المرضي الذين (مسهم) (الجن) (النجس)... وكنا نخاف حقيقة من تلك الاحاجي والقصص المخيفة.
وكنا صغاراً نذهب لهؤلاء الذين يقصون القصص لنرى ونسمع منهم تلك الخرافات والبدع والاحاجي المريبة وكنا حقيقة وقتها نصدقهم حيث كانوا يحكون لنا بكل ثقة واطمئنان عن كرامات أجدادنا الصالحين الذين كانوا يقطعون البحر على (الغروة)... ويطيرون ويحجون واجسادهم هنا معنا... ومنهم من قتل (الجن) الذي (تطاول) وظهر في شكل (بشر) ليهتك العروض.
كما حدثوننا كثيراً عن أسواق (النخاسة) وأسواق (الحمير) حيث كانت تلك وسيلة المواصلات الوحيدة زمان حيث كان الحمار أكثر سعراً من الخيل لأنه ذو قدرة على الحمل والتعب.
وكان أجدادنا يحدثوننا عن (شجرة العائلة) وكل (فكي) يحفظ أسماء تلك الشجرة... فمنهم من أتي من المغرب كالشيخ حسن ود حسونة وهم (المغاربة) ومنهم عرب الجزيرة العربية مثل الشيخ (البكري) الذي أتي من الجزيرة العربية وهم (قبيلة البكري)... التي تنتمي لسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ونحن من تلك الشجرة. وكان كل عميد أسرة يحافظ على شجرة أسرته مكتوبة على (الجلد) ومحفوظة في حديد حلزوني يدفن تحت الأرض. وكانوا يحدثوننا عن أمراض الجدري والسحائي والكوليرا التي ابادت الكثيرين من سكان المنطقة حيث لم تكن هناك حكومة أو دولة قبل آلاف السنين حيث (قدم) منطقة ما حول الخرطوم (بين النيلين).
وحدثوننا كثيراً عن تكوين القبيلة والعشيرة الواحدة وسيطرة (شيخ العرب) شيخ القبيلة الملك... السلطان... الناظر... حسب مسميات أسرهم وقبائلهم العربية المختلفة التي هاجروا منها.
والحديث عن الخرطوم زمان ذو شجون... مع ملاحظة أنّ هناك عوائل مسيحية عديدة دخلت السودان (الخرطوم) عن طريق الحدود مع (مصر) وهم (القبط) والنقادية والصعايدة والجعافرة... وأن كثيرين دخلوا السودان (الخرطوم) عن طريق سواكن والبحر الأحمر... وبعضاً دخل السودان (الخرطوم) عن طريق (البر) من كثير من الدول العربية والافريقية المتاخمة مثل الفلاتة والهوسة وغيرهم.
ولكن ظاهر أنّ معظم الذين استقروا بالخرطوم زمان كانوا من (العرب المسلمين) والذين اختاروا الضواحي والمناطق الخلوية حول الخرطوم وهم الذين كانوا يحملون العِلم والنور والقرآن والحديث الشريف على عقولهم وقلوبهم وبعضاً مكتوباً على جلود البهائم.
ونلاحظ أن مجتمع الخرطوم زمان كان نسيج مختلف من ثقافات عديدة تماذجت مع بعض في بوتقة واحدة خاصة بعد نظافة وسكن الخرطوم بين النيلين حيث تعايش كل هؤلاء النفر سعداء متسالمين حيث تم التزاوج.
وقد كان أجدادنا يحكون لنا عن قصص مهيرة بنت عبود وزرقاء اليمامة والمك نمر وعبد الله ود سعد وبطولة ود حبوبة ودولة العبدلاب وسوبا ومروى وكنا نسمع تلك القصص ونحن أطفال صغار ولذا رسخت تلك الذكريات والاحاجي والقصص على عقولنا تماماً. ولا ننسى أن اجدادنا كانوا يحدثوننا كثيراً عن الشيخ الأكبر عبد القادر الجيلاني العراقي سليل أهل البيت وصاحب (الطريقة القادرية) التي انتشرت في كل القري حول الخرطوم وكانت مذهبها (المالكي) وقد نشأنا نحن حسب التقاليد على نفس تلك الطريقة حيث كنا قبل الخلوة نزور (أم ضياً بان) أم ضبان حيث نار القرآن واللوح والفكي والسوط والدبليبة والركوة والخلاوي (داخليات الطلبة النازحين).
ومن ذكريات الأميرية الوسطى ظهور (خضر الحاوي) الذي كان يخرج بالأمواس بالعشرات من فمه وكذلك يقذف بعشرات البيض من فمه... ويضع العروسة (البشر) داخل الصندوق ويمزقها بالسيف وهي داخل الصندوق وتخرج سليمة كما دخلت. ونحن نكون في حالة حيرة وعجب وكذلك لن ننسى قصص العم (جحا) ونوادره وكذلك حكاوي (حَكم) جدنا (عتمان) الذي كانت أحكامه الاجتماعية شبيهة بأحكام (قرقوش) المصري حيث كانت (الغرامات) عبارة عن ولائم. ولا ننسى فيضان 1946م الذي غمر مدينة الخرطوم وما حولها من ضواحي والذي شاهدناه وكنا (نردم) النيل امام بيوتنا بجانب كل الأسرة نساءاً وأطفالاً ورجالاً... وهذه من الذكريات المؤلمة بجانب الحرب العالمية الثانية التي حارب فيها آباؤنا واجدادنا في شرق السودان ومصر. والطائرات (التي ضربت الخرطوم (وقتلت حمار كلتوم) حسب الأغنية المشهورة يومها.
ولا ننسى (لقيط) حصاد الويكة مع جدنا (أبو دقن) (بالحِجيرات) بالجريف غرب حيث كان (شره) الذي كان أشد من لسعات النحل... حيث كان يعطوننا (الجونتات) القماش لتخفف علينا تلك اللسعات... مع ملاحظة أن (ويكة) اليوم (ملساء) ليس بها (شرة) مؤذي)!!!.
ولا أنسى (بليلة) (أكلة الصيادين) السمك (السلباي) مع ذرة الفترتية التي كنت أخبزها بالمركب مع أخوالي الصاوي (والضب) وكان عمري لا يتجاوز السبعة أعوام.
ولا أنسى (بيعي) لليمون لعمال الكمائن في رمضان والذين كانوا يسكنون على الشاطئ شرق النيل الأزرق. وكان هذا بالنسبة لي عوناً اقتصادياً كبيراً ساعدني على الكسوة وكل متطلبات المدرسة الكتاب والوسطى خلال الإجازة السنوية بجانب عملي بالكمائن... ننقل (الرملة) بعربات محلية الصنع. كما لا أنسى وجودي (بمعسكر غابة الحكومة) جوار المقرن لمساعدة خالي الصاوي في زراعة الخضروات بالسواقي والشواديف.
لقد كانت تلك الفترة بالخرطوم زمان... فترة نضج وجسارة وشجاعة اكسبتني كثيراً من الخبرات والطموحات غير المسبوقة خلال حياتي في الخرطوم فترتي الوسطى والثانوي وبقية عمري خاصة فترة وجودي بغابة الحكومة حيث كنت متواجداً وسط الخرطوم مرات حتى بعد منتصف الليل مع أخوالي الذين كانوا يتابعون كل التطورات الاجتماعية والسياسية والرياضية آنذاك داخل العاصمة.
وهذه (الميزة) جعلتني حقيقة من أولاد الخرطوم بحق وحقيقة حيث كنا نتزاور ونحوم مطمئنين ليل نهار داخل العاصمة وزادت تلك العلاقة الاجتماعية بعد المرحلة الوسطى والثانوية بشكل كبير. ولا أنسى فضل السينما الوطنية الخرطوم جوار غابة الحكومة... حيث كنت أحضر كل الأفلام يومياً مع أخوالي المزارعين... حيث كنت ملم بكتابات إحسان عبد القدوس وانيس منصور والريحاني وسيد درويش وكل الفنانين والعازفين والشعراء والممثلين المصريين. الشيء الذي اكسبني خبرة وثقافية عظيمة شجعتني على القراءة والكتابة.
أما الشيء المهم للغاية هو أن والدي كان من أهالي الجريف كركوج ووالدتي من أهالي (الهوى) الجريف غرب الشيطة وجدتي من والدتي (زرنخية) (ومشيخية وهاشمية) وفوق كل هذا وذاك كان والدي ووالدتي أبناء (عمومة أشقاء)... ذاك الوضع الذي جعل تحركي بالمنطقة سهلاً وآمناً خاصة أن أهالي الجريفات والضواحي أبناء عمومة... أما تقاطيع وجهن المتفردة (الشلوخ) جعلتني معروفاً لكل أهل الخرطوم وأهلي بالمنطقة شرق النيلين وبين النيلين خاصة. ولا أنسى القول أن جدتي التي قامت بعملية الشلوخ قالت لي (أني سوف أضع لك شلوخاً لم تضع على واحد غيرك). ومن طرائف النكات بالخرطوم الوسطى أن جاء في أحد امتحانات الجغرافيا سؤالاً (أرسم رمز شجرة الدوم)... فإذا بالفصل جميعه (يهمهم) (حاج خالد) لأن شلوخي شبيهة برمز شجرة الدوم... ومن يومها سموني بادي أبو شلوخ. ولا ننسى الألعاب الجريئة على النيل حيث كنا نصنع (مراكب الطرور) الصغيرة الحجم.
من شجر (الطرور) ونسبح به على الماء في جماعات على النيل ونسمى ذلك (الطوف) ونسبح به وسط شجر الصفصاف الغزير على شاطئ النهر الضفة الغربية حيث يتواجد داخله كل وحوش المياه الراكضة حيث نقتل (أبو القدح) (والورل) (والبردة) والوزين وخلافه من حيوانات النهر العديدة.
ولا أنسى غداءنا الرئيس (بالجنائن) العجور والبطيخ والخيار وقصب السكر والجوافة والبرتقال والبلح والمانجو وكل أنواع الخضروات والفواكه المتواجدة (بالجروف) (الأرض الرملية جوار النهر) والجناين (فوق) الأرض الرملية... وهذه الجناين كانت تغذي كل العاصمة المثلثة لكبر مساحتها وإنتاجها المتواصل. وهذه المساحات كانت تسمى (سواقي) ومسجلة ملكا ًحراً باسم أصحابها أهلنا وكانت (الساقية والنبرو) والشادوف هي وسيلة الري الوحيدة آنذاك. وكان يفتح طريق كبير يسمى (المشرع). وهو يستخدم شرقاً وغرباً حيث توجد (مراكب) المواصلات الأساسية الوحيدة بين (الهوى والشرق).
وكانت (التحتانية) هي الأرض البسيطة (أو الموقف) الذي تقف بجواره المراكب المخصصة (لتعدية) الأهالي وكنا نقطع النهر الواسع العريض (النيل الأزرق) (عوماً) على ظهورنا... وكنا نتسابق بدرجة كان بعضنا (يقطع) النهر خلال دقائق قليلة. (وهذا دون علم الأهل).
نعم لقد كنا أقوياء وشجعان (ومجازفين) ونحن في تلك (السن). وفوق كل هذا وذاك كنا نلعب (كورة الشراب) حيث أصبحنا أخيراً من أميز لاعبي كرة القدم في المراحل الوسطى والثانوية... وكذلك كنا فرسان في ركوب الحمير المميزة وكذلك الخيل... حيث كان كثيرين من أجدادنا يومها يملكون الخيل الجميلة (بن البان). وهذا ما هيأني كثيراً على ركوب الخيل ولعب (البولو) عندما نقلت للقيادة الغربية (اللواء السابع) في عام 1964م حيث كنت امتطي حصان القائد الأمير ألي (قريبي) الزين حسن الطيب.
وظاهر أن تجربتي الذاتية وظروفي الخاصة ذاك الوقت أدت إلى تأهيلي لأكون من الشبان الرياضيين في معظم مجالات الرياضة بالخرطوم (زمان).
لقد كانت (النيلين) أساس حياة سكان الخرطوم زمان حيث النقل والزراعة والصناعة واللعب والمتعة والسباحة وصيد الأسماك وكل متطلبات الحياة حيث الأنعام واللبن والزبدة واللحوم والجلود والأصواف وخلافه من منتجات عديدة ومختلفة. فقد كان أجدادنا حقيقة سعداء بموقع سكنهم قرب النيلين العظيمين. ونصدق القول... إن أجدادنا ونحن كنا أسعد خلق الله معيشة زمان بل أكثر (سعادة معيشية) من اليوم حيث كانوا (عاملين) ويتحملون المسؤولية الاجتماعية والعائلية على أكمل وجه فشيدوا المساجد ودور العلم والخلاوي والشفخانات على حسابهم الخاص قبل أن تكون هناك دولة وعاصمة بين النيلين. وحتى بعد أن أصبحت الخرطوم عاصمة قام أجدادنا بكل المسؤولية (كحكام دولة) لأن جدنا الشيخ عجيب المانجلوك كان ملكاً على (الجريفات وكركوج) ولمدة (مائة عام حسب ما ذكر ود ضيف الله والكردفاني). وكان منافساً لبادي أبو شلوخ في سنار آنذاك حيث وقعت موقعة كركوج الشهيرة بينه وبين الشيخ عجيب حيث قتل خلالها الملك الشيخ عجيب المانجلوك على أيدي جيوش (أبو شلوخ) وكان هذا قبل مئات السنين.
ونقول ونصرح بكل الفخر والاعزار أن أجدادنا حازوا على أرض الخرطوم زمان وما حولها وعمروها لأن من لا يحوز على الأرض لا يحق له أن يمتلكها لأنها حقيقة ليست ملكلاً له: لأنه لم يسكن فيها أو يعمرها بادي البدئي ونزيد الفخر فخراً أن أجدادنا هم الذين عمروا الخرطوم وجعلوها عاصمة.
ومن حكايات الخرطوم زمان... (الميترة) والتي كانت تحفر بالقرب من الشاطئ وتبني بالحجارة الكبيرة حتى يمكن للساقية أن تدور حولها بواسطة الثيران لتسقي الأرض (السواقي) بواسطة (القواديس).
أما (الجابية) فهي تحفر (حفرة كبيرة) بداخل شاطئ النيل حتى يمكن (للنبرو) الشادوف رفع الماء بواسطة عامود الخشب الطويل وتحته (تقالة) وعلى رأس العامود (ماعون) وحبل طويل به ترفع قواديس الماء وتدفع بها تجاه (الجدول) لسقاية (الجروف)... وكنا دائماً نخشي تلك (الجابيات) (والميترات) التي كانت تفرق وتقتل كل من يقع فيهما لعمقهما الطويل. ومن مخاطر تلك المتيرات والجابيات لأنه عند (الدميرة) تغطي المياه كل هذه الحفر العميقة وننسى مكانها ولهذا كانت ضحاياها خطيرة وعديدة حيث غرق الكثيرين (وحتى اليوم) هي متواجدة حيث ينزلق من يعوم حولها ويسقط لعمق طويل فيموت غرقاً. أما القلق والخطر الأعظم الذي كنا نخشاه زمان ونحن (نعوم) هو (البردة) تلك السمكة (السمينة) التي تكهربنا عندما تمسنا ونحن نسبح حيث كانت قاتلة تماماً حيث تشل كل الجسم وكان ضحاياها من زملائنا كثيراً جداً... حتى الكبار. لقد كنا زمان جهلاء حقيقة ولا ندرك تلك المخاطر ولا نعطى لها أهمية رغم عظم وخطورة احداثها العديدة القاتلة... وهكذا كنا شباب وصبية الخرطوم الوسطى زمان ولا ندرى (أهي) شجاعة؟؟؟ أم عناد؟؟؟ أم بلاده وجهل؟؟؟، وقد كان يقول آباءنا واجدادنا زمان (أن البحر بيشيل عوامه) لكن الحقيقة هي (أن البردة تشيل عوام البحر)... لأن صدمة البردة الكهربائية داخل الماء قاضية تماماً وبشكل سريع ومفزع ويكون الموت فوري خلال ثواني.
والحديث ذو شجون ونحن لم ولن ننسى تلك العلاقات الأسرية والخاصة التي نشأت بين (أولاد الخرطوم الوسطى) وأولاد الخرطوم الناعمين المنعمين أولاد الموظفين الكبار والتجار والأعيان وبين أولاد المزارعين والعمال وتجار الطوب في الضواحي ولا ننسى تلك الزيارات (والرِحَل) الخارجية للجناين بالجريف... حيث نشأن تلك العلاقة القوية حتى هذه الساعة. ونذكر أننا قد علّمنا أولاد الخرطوم زمان لعب كورة (أم كده) (والسطاب) و (التيوه) و(الدسوسية) و (شليل وين راح أكله التمساح) (والسيجة) (والضقل) (والمنقلة).
وقد علمونا لعب الكتشينة خاصة (الوستي) (ولعبة الكراسي) ولعب البلي.
كما أذكر أننا علمناهم (ركوب الحمير) حيث كانت الحمير وقتها شرسة وقوية لا تقل هيبة عن الحصين.
ومن القصص والنكات زمان حينما ذهب (أولاد الخرطوم) في رحلة بالجناين بالأرياف وجدوا ثعباناً فصاحوا وخافوا حتى جاء رجل وقتله (بعود) وجده على الأرض... وهنا قال لهم الرجل (مستغرباً) كلكم ما قادرين تقتلوا الشيء دا؟؟؟... فقالوا له (لكن يا عم نحن ما عندنا معدات أو أسلحة)!!!
نعم أنه زمان امتزج خلاله شباب العاصمة الخرطوم (الصفر اللون) حيث كانوا جميعهم أما من الأتراك أو الحضارمة أو المصريين أو المغاربة مع ملاحظة أنّ كل سكان الأرياف زمان كانوا معظمهم من العنصر العربي الأصيل الأسمر. نعم أمتزج ذلك الشباب ومع مرور الزمن حصل التزاوج والإندماج الأسري الذي (خلّف) (الخرطوم اليوم). ذات الهوية  الجديدة (الخليط).
ومن الأشياء التي نذكرها... (فطور الصباح) حيث كان يتواجد الاجداد والآباء على ظل الجامع أو الخلوة ونحضر نحن الأطفال الفطور من البيوت على (صحون الرخام) وهو عبارة عن عصيدة بأي (ملاح) وفوقه (سمنة الماعز) الظاهرة الطعم والنكهة. وكان لا يسمح لنا بالأكل معهم بل نأكل (فضلتهم) حيث يقولون لنا أنها (البركة) وكنا نغسل لهم أياديهم بواسطة اباريق وصحون النحاس الجميلة... حيث كان خلال الغسيل يسأل الأجداد عن اسمك وعمرك وعملك وهل تميت الشرافة ولمدة ساعات وانت منحني الظهر (تجاوب) وتعبان... (حاجة مؤذية تماماً)... وكن نتجنب احضار الافطار لهم بقدر الإمكان. ولا ننسى الفكي (ود الحضري) فكي الخلوة الذي كان (يفزع) لنا باحضار (عود لنار القرآن بدلاً عن (القروش). وكان جدنا (الطيب المبارك) يحضر كل يوم جمعة (صحن اللقمة) الخشبي ذو الأيادي الأربعة الحديدية الذي يحضره عدد من تلاميذ الخلوة حيث يأكل العشرات من الحضور بعد صلاة الجمعة بالخلوة.
ولن ننسى نصائح وحجاوي وقصص الآباء والأجداد زمان... مثل قصة (جور يا جرجور الناس جارت) (حقك تديه بالراحة محزم ما تلم فيه) (ما تبقي ذنب ينسوك ولا رأس يقطعوك... خليك في النص الاصم ود أبوك)... (كان لقيت زول يصلى لي وراء ما تنصحه بيقتلك) (كان لقيت ناس ياكلوا (لحم) ما تبدي الأول... أكل بعد ما ينهش الناس حتى لا تصاب بالعين... فالعين القاتلة في اللحمة) (كان أخوك حلقوا ليه أنت بل رأسك) (ما تمشي وحدك بلا رفيق). (اخوك كان لبن عشر ختى في عينيك). (ما تأكل براك. الشيطان بيشاركك الأكل). (السمكة كان شبعت تتلب من الموية تقع في مركب الصياد). (طماطمة واحدة (عفنة) تفسد كل طماطم القفة). (الطلع من الرأس سمعوه الناس... الموية إذا إندفقت على الأرض لا يمكن رجوعها...). (في ناس وفي تسناس وفي أناناس وفي ناس خلقوها لي عذاب الناس). (عجوبا خربت سوبا). (الحرامي فوق رأسه في ريشة). (باب النجار مخلع). (فاتحة (علي) تصرف عند عبد الرحمن). (الخيل تجقلب والشكر لي حماد). (أضرب سعيد خلي مسعود يخاف). (بليلة مباشر ولا ذبيحة مكاشر) (المرأة أم ساقا نحيف وخشما خفيف أن ضربتك المطر والزيف في (ضرا) بيتا ما تقيف). جاء رجل لرجل صالح يستشيره في شراء (حديدة) سيارة... قال له... (تكون جديدة وسائقها سيدها) الحرامي الذي تاب وذهب للحج وسرقوه داخل حرم الكعبة قال (جيتاً جات منك يا بيت الله) وبعدها (قرض) الحجاج بالسرقة...!!!.
ولا ننسى أحاجي حبوباتنا زمان حيث بدأنا الحديث (حجيتك ما بجيتك خير الله جانا وجاك)... فكن يقصصن علينا كرامات الصالحين الذين يحيون الموتي (بإذن الله) ويستخرجون (العين) والسحر ومس الجن (ويعرفون) عن أماكن المسروقات وكنا حقيقة نخاف حيث يقولن لنا وينصحنن دائماً أن نبقي جزءاً من الأكل والشرب للجن وعياله وألا نخاف إذا شاهدناهم وألا نأذيهم... وحيث أن الليالي كلها ظلام (والأزقة ضيقة) ولا توجد زمان كهرباء وكنا دائماً خائفين من الشياطين وكانوا يقولون لنا أن (قَلي) البُن يطفِّش الشياطين... وأنّ الحمير تعرف الشياطين ليلاً حيث تقف عن السير وتوجه اذنيها تجاه مكان الجن (وتهنق) حيث يتنبه الراكب (ويتحصن) بقراءة القرآن. وكنا نرجع لبيوتنا خائفين حيث الأوهام والخيالات والظلام الدامس المخيف حيث ملئ اذهاننا بالاعاجيب والبدع وكل ألوان الأوهام والخزعبلات وكانن يقولن لنا للتعليم والنصح (لسانك حصانك أن صنت صانك وأن هنت هانك). (كلمة ادخّلت الجنة وكلمة ادخّلت النار). (واحد دخلوه الجنة (طلع) منها وواحد دخلوه النار (طلع) منها).
وكانوا يحدثوننا عن قصة (جحا وجحشه وابنه) فعندما ركبا على ظهره انتقدهما الناس على أنهما لا يرحمان الجحش... وعندما نزلا ومشيا على الأرض انتقدهما الناس وقالوا مقفلين... وعندما ركب الابن وحده انتقدهما الناس وقالوا ولد (عاق) لا يحترم والده... وعندما ركب جحا وحده وترك ابنه يسير خلفه انتقدهما الناس وقالوا جحا قاسي لا يرحم ابنه الصغير. وكانوا يحدثوننا عن قصة (مسمار جحا) الذي باع بيته لرجل واشترط عليه في المكاتبة أن يرى مسماره (في قلب حجرة النوم) كل ما يريد وفي أية زمن ووافق الرجل على شرط جحا... وإذا بجحا يحضر في اليوم عدة مرات ليلاً ونهاراً ليرى مسماره... (فزهج) المشتري وترك البيت له وذهب.
وقد كنا نسمع من الحبوبات كرامات الشيخ حسن ود حسونة الذي احيا (بقاره) والشيخ (الكباشي) وتملكه لكل هوامل الأرض خاصة العقارب والثعابين. وكن يحدثننا عن قبة الشيخ ولي الله (حسن) الذي وجدوا صباحاً أن (قبته) قد اكتملت ليلاً... وكثر الحديث ونحن صغاراً عن (دلوكة) وعرس الشياطين الذين يتبعهم السكاري ليلاً حيث يجدون أنفسهم صباحاً من على فوق كوش القمامة المتعفنة. لقد كانت تلك الفترة وقصص (الحبوبات) جميعها تتركز على قصص وكرامات هؤلاء الشيوخ الصالحين الذين يشفون المرضى الذين يدخل أجسامهم الجن وكنا نذهب مع أهلنا لمسيد ام ضبان والشيخ الأمين وحسن ود حسونا والكباشي... نأكل الدبليبة المباركة ونتبخر ببخور القرض ونتمسح بتراب (ود حسونا) والكباشي ولا ننسى تلك الأحلام المزعجة التي كنا نشاهدها في المنام ونصرخ ويجلس حولنا الأهل ويقولون (بسم الله) عدة مرات لطرد الجن عنا... وكثيرين منا الأطفال كانوا يذهبوا بهم خارج القرية لمقابلة الشيوخ كلٍ حسب (عقيدته) للعلاج... خاصة أنّ هناك عدداً كبيراً منهم يحجزون بالخلاوي بالمسيد لاخد جرعات العلاج من الموص وشراب عصير القرض والدبليبة وادعية (رقيات) وضرب السياط وشرب الغباشة والمحاية.
لقد كانت عقولنا أيام الخلوة محشوة ومليئة بأفكار وآراء كلها أوهام وزخم واضطرابات نفسية منقطعة النظير حيث كان الجد والجدة أميين والوالد والوالدة أميين وكل المجتمع أمي عدا الفكي (والعالم) جدنا (محمد أحمد العوض) الذي أخذ العلم من القاهرة وجده ودنقلا.
وقد تم تشييد أول مدرسة (كتاب) بشرق النيل بالجريف قمر في الأربعينيات وهي ثاني مدرسة (كتاب) بعد مدرسة (رفاعة) تشيد بالأرياف.
ومن ذكريات (الكتاب زمان) العم سالم (الغفير) الذي يحضر جرائد النخيل بالعشرات لكي تمزق بها أجسادنا بواسطة المدرسين حيث كان الآباء يقولون لهم (لكم اللحم ولنا العظم)... وكل هذا لكي ننجح ولا نسقط. كما نذكر (نيفة) عم (حمدون بالشطة والليمون) في الطريق إلى المدرسة... ولا ننسى كلاب الحاجة (مدينة) التي قطعت أجسادنا باسنانها ونحن في الطريق من وإلى المدرسة وعمرنا سبعة أعوام.
ولا ننسى (الشكيري) الذي كان يتواجد (بالخور) الذي يقع بين القريتين (قمر وكركوج) حيث كنا نخافه وهو يجلس وعلى ظل شجرة (الحرازة) الوحيدة التي يقول أهلنا أنها مسكونة بالجن...
لقد كانت أول سنة لنا بالكُتّاب سنة مشقة وعذاب حقيقة حيث واجهنا كل ألوان الخوف والتحدي والمشاجرات بين الصبية الآخرين الذين فاتهم قطار دخول الكتاب لكبر سنهم... حيث دخل الحقد في قلوبهم ضدنا حيث يضربوننا دون رحمة أو شفقة.
ولا يمكن أن ننسى الناظر (على قسم الله) والناظر إبراهيم التجاني والأساتذة عبد الله وعبد الهادي وأحمد إدريس وشدوان الاشول ومنصور وعربي (الفنان) وخلافهم... هذا النفر الذي كان أساس نجاحنا للدخول لمدرسة الخرطوم الأميرية الوسطى. أول مدرسة بالعاصمة الخرطوم يومها حيث نجحنا بتفوق ملحوظ حيث كانت المنافسة قوية وكبيرة.
ونشير إلى أن تلك المدرسة الكتاب بجريف قمر كانت تضم تلاميذ العيلفون وأم ضواًبان وسوبا وأم دوم وحلة كوكو وكل تلاميذ القري بشرق النيل قاطبة.
حيث حدثت علاقات اجتماعية كبيرة وعلاقات أسرية حتى اليوم مع ملاحظة أن معظم تلاميذ الكتاب كانوا يسكنون مع أقربائهم بالجريفات الشرقية لعدم تيسر المواصلات. وننتقل قليلاً إلى قلب الخرطوم حيث (السينما)... فكنا نحب أفلام (رعاة البقر الأمريكية)... حيث كنا لم نبلغ سن البلوغ ولم تشدنا وقتها الافلام المصرية التي كان جميعها تتحدث عن الغناء والحب والرقص... وقد بدأنا نستوعب ونتجاوب مع تلك الأفلام خلال المرحلة الأخيرة بالخرطوم الوسطى حيث بدأنا نقرأ روز اليوسف وصباح الخير والحوادث والكتب العربية الثقافية... وهذا ما ساعدنا في كتابة وقراءة المواضيع خلال الجمعيات الأدبية وخلال الرحلات المدرسية والعامة بجنائن الكردي بسوبا شرق وجنائن الهوى... حيث كان الأساتذة والآباء يشترطان علينا الا (نعوم) خشية الغرق.
ونحن نسرد ذلك التاريخ العظيم لابد أن نذكر آثار تلك العلاقات المدرسية بالكتاب والوسطى واثرها الخالد الذي خلدته في المجتمع بالخرطوم وضواحيها زمان حيث نشأت علاقات قوية أسرية بين سكان الخرطوم حيث علاقاتنا الخاصة مع أسرة بيومي بالخرطوم وأسرة المك ناصر وعدلان بالفتيحاب وأسرة بنت بتي وأسرة صقر البرزن حيث كان يسكن معنا الطيب الغزالي وشقيقه السماني أما أبو قرون حيث الشيخ إدريس وحسن وصلاح بن البادية الذين كانوا ايضاً يسكنون معنا بكركوج وأسرة ود بدر التي كانت علاقتنا معها روحية وعرقية حيث كان جدنا (العالم) (محمد أحمد العوض) يدرس ويعلم الفقه لهم في (المحيريبة الفكي عمر) وكذلك علاقة جدنا أبو دقن مع أسرة (بنت مهدي) بالسجانة (والدة الطيار صبري ارباب) وعلاقة أسرتنا مع حلة خوجلي وحلة حمد حيث جدنا ود ام مريوم وأذكر منهم حمزة قاسم وحسان عبد الرحمن وخليفة (المقبول الصديق) أما علاقتنا مع الكدرو والحلفايا وشمبات والجيلي فيربطنا بها جدنا عجيب المانجلك.
أما العيلفون فنذكر منهم زملاءنا أبناء عائلة الحبر والنص وسوار الذهب وود الأرباب.
أما البطاحين أذكر منهم أبناء الخليفة أبو حريرة عمر ومحمد يوسف دفعتنا في الخرطوم الأميرية الوسطى... أما عائلة كشة فأذكر منهم أبو القاسم الأمين كشة وصلاح مصطفى... أما بيت المال بأمدرمان فمنهم أسرة (الدعيتة) أصدقاء الأسرة وأهلي... أما سوبا شرق فيها أبناء جدنا الطيب عبد السلام. أما حلة كوكو فكان زملاءنا بالكتاب والوسطى من أبناء جدنا عمر سعيد ولا أنسى كل الهاشماب أهلي وزملائي الكرام.
ونحن إذ نقدم هذا القدر القليل من تلك العلاقة الطيبة وكان كل الفضل جميعه (للتعليم) حيث الكتاب والوسطى التي جمعتنا بالخرطوم زمان وحتى اليوم فهي أسرة واحدة مرتبطة تماماً في السراء والضراء. وهذا هو مجتمع الخرطوم زمان زيادة على ما ذكره سابقاً الأعيان والتجار والمسؤولين والسياسين والأجانب والسودانيين زيادة على ما ذكره المؤرخين ومن قصر عابدين من وثائق هامة للغاية عن وضع الخرطوم زمان... وما شاهدناه باعيننا قدمناه اليوم ليدعم كل تلك التوثيقات. ونحن نقدم المثل السوداني (من نسى قديمه تاه). فالخرطوم زمان كانت لها لهجة موحدة يتحدث بها أهلها الخليط ونذكر القليل من المفردات والألفاظ مثل الخلوة والتبروقة وحرف الكسرة والتكية والشرافة والعراقي والنعال والجروف والمريسة والعكارة والكُركار والجديلا والمرارة واللاَّيوق والنعيمية والدبمبازي وسوق أم سويقا والزمام ونار القرآن والقَرعة والزخط والغباشة والدانقة والدمارة والقرقريبة والمفراكة والمطمورة والسلّوكة والمحرات والدقنّية والفريق وحبوبة حجيني والجالوص والمِرِق (والرصاص) والمشلعيب والسحارة وأم شعيفة والدَكاي والدلّق والبِرِش والواسوق والجبة والمانتغلي والتقابة والضريرة والسِعن والقربة والترتار وقرع الموية والغنماية وسن البرق والمخلاية والطار والشتم والصريف والحور والمرتفق والبوسيب والفركة وود اللّحد والعنقريب والحق وكراع العنقريب وعنقريب القد والكديس والفروة والهبواب والكتاحة ومحمد معانا ما تغشانا والشرغرغ والكافتيرا والوِقايا والملجة والموردة والاسكلة وسمير والصيّاع والتكتاكة وأبو رقعة والمشرع والزنزانة والظبطية والأرطة والدُكان والفُرن والقهوة والرغيف والكتّاب والعالمية والقواديس والنبرو والساقية والجابية والميترة والتقنت والرهيفة والصفوة والمؤص والجزلان والقشلاق والطابية وبيت المال واغا والدفيس وأبو عشرة ودقوفيل وفكة الريق والحلالة وكَسر التربة * والرحمتات وخَم الرماد والكري والكُنش والكنتوش والخمارة والرُقاق والحُلو مُر والآبري والقُفة والريكة والطبق والباشري والمكاوية وباب الصنط والحكيم والعتود وود أبرق والحِدّية والبَربندي والإجزخانة والادبخانة والجبخانة والشفخانة والكيس والفلوس والكوز والبردعة وأبو جاعورة وأبو زلومة والبعشوم والزاملة والويكة واللأّيوق وأم تكشو والفتة والضفرة والسليقة والفُرصة (والمكِّية) والدَابة (والهناية) والمزّيكة (والفتىّ) (وحكاية ود جانقي) (وسوق أم سويقا) والدكوة والدَكّة والمترار (والمِشْفة) (والهوى) والقُلة والطَش والسرايا والدائرة (والزيارة) (والفاتحة) والبُرمة والحِجل والغِدوة والزمام والجدلة (والضَريرة والحَريرة) والدِلكة (والحَلاوة) (والجورسية) وإبراهيم عوض) والنَطُع والرَحل والوَدك والتُمتُم وفتحة الخشم وأم كَده والتِيوة والمِيس والطَاب والسيجة والعُلّيف والنيفة والدندرمة (والكعَك) (والسخينة) وضُلع عبلة والبفتة ومصر البيضاء والشفون والتنورة والطَرَقة والطِرْقة (والقنجة) (والحِد) (والأربعين) والمصلاية والصواب والمارقوت والقوب (والقنبور) (والشَعفة) (والصَلعة) والقُراد والقَلوي والسَلفا والحِجامة (وشَربة الملح الإنجليزي) (وأبو فَرار) (والقِراحة) (وأبو طارة) والزنفراف (والمِح) (والغَرخة) (والفَرِخ) والسَافِل والصَعيد (والقبلي) وأم شير (والسَقط) (والفصول) والنجمة أم ضنَب والزيفة والقُمة والشعفوفَة (والنقّاع) (وكَر) (وكُر) (واحي بوب) (ووعلىّ) وجمل الشيل والكِبر (والرَد حِي) (والكوشة) (والجِرتق) (والحِنّة) (والشَرافة) (والشَطارة) (والجَدُر) (والسَقّا) والمرتفق وبيت الأدب والكانون والماعون (والكَنيف) والفرجية والحِكمدار والقمندان وقِطار الليل وصاحب الجناب العالي والخديوي والحاكم العام والظبطية والشاويش (والحقانية) (والبَرقْ) والكُبانية والعَسكري والخُوجة والخَواجّة والتَعريفة والمِلّيم والريال والقِرش ورأس السكر (والطوستة) (والفينو الاسترالي) والاستبالية والتمرجي (والكَر) و(البقرة) والبِلدات والطفشة والحُوض والقالِب والمَاروق والحنطور والدابة والمِقي وأبو نُقطة وقلب التور وظهر التور والبَلوم وأبو حجيلات والشربوت والقلاية وأبو عِديلات والبَلطجي والهمباتة والقُمض والدَفان والضفيرة والعَنَاق والخُرج والعليقة و(أقرع) (والخَرج) والتمنة والاتومبيل والبلبطي والتُكل والعُواسة والهبابة والنَتاق (والوَطا) والموية والدُف والمُطرق والمَندالة والمَطرقة والسَندالة (واللعبة) والطاقة والرَشِع والشِبْعة والجَبيرة والكنتوش وأم تكشو والنفاج (ومشاط أم المك) (وأمات طه) والخرتاية والكلوش وأم بق بق والدَرْوة والفلجة والكشر والرسن والدكّاي والكولوميت (وبرمة وحراسة) وشليل والميس والقمبور والبرمة (والبوصة) والسكبة (والهباب) (والفريك) (والغروس) والكرارة (وألمي) (والجر) والكبيق (والخروم) والحُنبك والفُليّق والهون والدوكة (والدقل) (وألتكم) والبرطوش والسريقة (والكاجنيب) والللس والأشميك والكودة والورتاب (والتمساحية) (والبريق) والكرتقة والبربندي والبقنية (والقَرْجة) والكِريز والكَفية (وخضّ) (والدوران) والبُرج والازميل والمَنقد والكانون (والواحة والقلاية) والليفة (وود عامر) والزريعة (والطحان والدراش) (والتيبار والسورج) والفطارة والمروج والشكنابة وشلّع والدُردُر والقِد والدَرَوة (والسَقو) والطبال والأجنة والزفّة والجَديَة (والقربينة) (والبِنين) وأم رخم الله والتُنْجُر والبَقو بَقو والباكُمبا والقَدو قَدو (والبَشت) (والديوانية) والقَعود (والطَلي) والشاهين والجربوع والبطحاء والثريد والمرقة والفردة والكرنك والكركب (والسِلي) والسَرابة والحِيضان وقِبلي وبحري والكوم والردوم والقعونج (والكمبو) والزُنبار والسَفروق والرِهيد (والكركور) (وأبو انقوي) وكجمورو والسُكسك (والسَكسَل) وأم جِنقر وبني كربُة (وياعشاي) وأبو انضلاف والقرقور والتِبِش والشَبشَة والتَقِل والسامبكسَ والكدوس (والبقعة) والجَمام والفسّاية والنِمتّي (وكلب الحر) (والبَجقلي) والقليبة (والنوريق) والدُفيق (والجني) (والبُطان) والفروجة والسِوسيو والغَدع (ولسان الطير) والضريصة وأم لبينة والبنضورة (والرتيلا) والهيم والكَنش والكَنش (والثاغية) والراغية والحنش والجَندب والطرماج (والكوجينة) (والحولي) والقروانة والدينقا والمسرجة والصرار وألكع (والدرقة) (وهولى) وأضوق (وتدوره) ومسراع وليمها ومتين ووليدي ويطراني (ويشيل حملي) والحشا (والحجيلات) والسكة (والبوباوي) (ويجر النم) (وجبانة) ووين (وسكّرة) واتحشّم والحذار (وهاش وباش) والهاشمية (وفرتق) والجُمار والنعرة والبُرقع وعمنول (وتوّرِق) والخُدرة (ويدرع) ويضبح والبَقَس والجراية وحبوبتي والسرسار والرقراق والجبون ويَرِف وأفرنقعوا (والممسوخ) (والسكليب) والآبرية والكدر والرَحَلْ والمرواد والكليقة والقُصة والشنوف (واللقنين) والغبار والحنضل واللخوخة (والحُقة) وأم هلا هلا (وأم قعر) وتلملم (وسجمك) (والعنقرة) والضُراع والضكر والبَرود وهسّع (والجشأة) واللجلجة واللقلقة (وأزرق كئة) والمَداس ويدرش وكدّاري واتكندك والنقذي والنقرابي والكُراع (وخب) (والدر) (والدحلوب) ومكبرته (وهاك) والمترار والشلوفة (ومليح) (والشّرامة) والبشتنة والظيطة والظمبريطة والصِل والمفازة (واللدايات) وركضت (وأم فكّو) وأم قرنبع (والكوفارة) والفراريج والمجوقنة (وكمشئة) (ودُقة) (والشكوشوكة) والتِكّة والبوش (وأم كعابير) والكَنة والوَدِع والرُمل وأوريك (والخولي) والملطشة (والخَناق) والدلاقين والهدوم والحُواطة (وأم كروجو) (ويا زول) والقَنيس والعُفار وشعيش والسبروق (والهُرّب) (والموية كسرت) وأبو عشرين والدونكي (والعَتْرة) وخشم البنات والبياضة والسيسبان والجَرَب (وعزق) والعنقرة وزغلول (والبير وغطاها) وقَنّب وقبعب ويهدرب ويتكبكب (وزجر) (وقيراط) (والبوغة) والكترابة والطنضب والقنقر والدعاش والزيفة (والطَبال) (والكتال) (والجبجابة) والدهمة والحواتي والكزاكة والسوكرتا والعفشة والضلف (والكدندار واللماصة والعنز والعناذ (والقبانة) والجباية وألكع والقطعان والزمبارة (والكرنوف) (واللبن) والحلمة والملوة والدباس وأجدع وانقر والطبلية ويطبظ والخمار والزلمة والقهبونة والعوة والنضموت والشّور والمكمامة والتاية وإيي والمقلط (وليش) والبلانجا والبريزة والصاغ (والظغطة) (وواقف جت) والريدة ويغرفر وقّنب والجنيات (وأولى) و (عام نول) والنجيع (ورَح) والكوفارة واللوايا ويدش وأبو كرنك وقرد الطلح واجيبلك (والبنوتة) والحنتور والحنقوق (والكرشة وود لقاي والتمودة والجاوا والبركاوي والكلم والقونديلا والدفيق والصيرة والمشرقي وبلح المدينة والعطبراوي) والمصوفن والهبابة والضواية وأبو الحصين (وخرّف) (واهوداك) والرمَّاضا وأمد دلدوم وام سكاسك وأم سكاكات والصرماتي والصرمة والكرشجي والخضرجي والكمسنجي والفحام والوداعية والسعاف والخمجان والفقسي والبصير والنباش والسحار والحراق والفكهنجي والحطاب (والحلقة) والجناين والزبال والطحان والسروجي والجزمجي والسقاي والعربجي (ويسوى) والدباغ (والسحان) والمعسل والدكوة (وعَرْ) وحَاوْ (وجَرْ) وهش (وبَسْ) والسفّة والويقود والعواسة والطايوق (والرعيان) (والحين) والدكاي والشفالة (والقلاليط) (والورع) والنفانق والقوانص (والخال) (والطاسة) (والشكشوكة) والجيعان والمنور والحيرقان والحنوط (ودقسي) والهاهايا (والغولاية) وأبو الكباس و (بتاً بالله) والبطانة والعضم (وبكو ضم) والجُضم ويتّرع ويتَريق (وشيخ بندر) (ومرطب) ومسخوط (والسرسار) وهَبدت والتيس والقوم. والدريش والمقداف ويقلفت والمقلام (واللبان) وحداك وينجر ويهبن ويقرقر (ونز) وفزع وطقش وسرح ويفجفج ويتفوجح ويتبوجج والبؤبار ويكرّج وام بالبينا والتقديمة (وعار) ونجع ويلوك (ولماء الله) (وسنة ستة) (وسنة البحر قام) وأفندينا والهجانة والسواري (والطلة) (والخزاز) (وحبيب) والمحبوب وأيامكم حليلا) (والناس تريدو) (ووحدوه) (والمديدة حرقتني) (والحني طير) (ولوبيا عفن) والمشتهي الحني طيره يطير) والتنجرة (والسارحة) (والهجن) والعنبان والضنب والحاحايا (وبلالي) والنديان والعشوق و (سيروه) (وهيل ليل) (ويايمة) (ويايابا) وأبوى والودع (وحرق بعر الحمير) (وياهو داك) والتكتاكة (والقرشلي) والدرابزين والسفاية والسفوفة والسعدة والعشاري والريح الأحمر ودق الزار (والحجرة) والخشاف ويجقجق ويتضاير (وبوم) (وأم سويط وأم نوويرة) (وأبو الركيع (والغال والجعبة والكبكبيق والكبنيق والميرف والتراي والتراية والمسلة والخَمّارة (والفرت) والقاقون والخشّامة (والزيانة) (والحلة) (والحَب) والقعودة والجبَّادة والرَّماي (وأبو ريالة) وأبو سردَّبة (ويبعزق) ويتلكلك (والخيت) والقنانة (ويدوش) (وأم علي) والكشري (وكش) (والخوجا) والكبنقاوي والصنقور (والتوزة) (والدنقر) (وأبو ضريعس).
وهذا جزءاً يسيراً من مفردات ولغة مخاطبة مجتمع الخرطوم زمان حيث الخلطة (العربية والافريقية والتركية والقبطية والبريطانية) والتي معظمها أضحت تاريخاً وتراثاً بل آثاراً بجانب الحيطان والقصور وخلافه. ولكن حقيقة لقد ظلت هذه المفردات والألفاظ محفورة في عقولنا ولن ننساها لأنها تاريخ الأجداد العظام الاحرار الخالدين.
وقد كانت هناك لهجات عديدة يتحدث بها بعضاً من هؤلاء القوم الذين سكنوا الخرطوم بعد عمرانها. أما أهالي كركوج والحلفايا والفتيحاب والأرياف المجاورة بالجيلي وسوبا وأم ضواًبان والعيلفون والقري المجاورة فقد كانت لهجتهم شبيهة وقريبة من لهجات أهل الجزيرة العربية مع شرح بعضها ومعظمها من لغة القرآن الكريم نعرض القليل منها:
الجُب: البئر، ظعنكم: ترحالكم، اكنان: كهوف، اكنة: اغطية، (الوصيد): الحوش، (الغناء): يسحت، استأصل: الفج، الطريق: المحصور بين جبلين، يولج: يدخل، التنور: موقد النار، النشور: الاحياء، الريع: المكان المرتفع، المحريب: عشب العلاج، الطرف: العين، الرهط: الجماعة، الطوفان: طفيان مياه البحر على اليابسة، الودق: المطر، اناب: رجع وتاب، معشار: عشر، الشمراخ: سميطة البلح، الاجداث: القبور، المهاد: المكان الممهد، اكمام: وعاء الثمر، الروضة: البستان، في عقبه: في ذريته، الجرتق: احتفال العروس، صحاف: جمع صحفة تسع خمسة، رهواً: مفتوحاً ذات فجوة واسعة، كالمهل: ما يمهل على النار حتى يذوب، السندس: مارق من الحرير، اف: كلمة تضجر، الحمية: الانفة، الرَق: جلد يكتب عليه، اجنة: الجنين داخل بطن امه، اكدي: بخل، مهطعين: مسرعين، الهبيل: السَلَم: أشجار للعلاج، صرصراً: بارداً، الشف: زينة من الذهب، الرَحط: لباس العروس، المطرق: السوميت، النقار: العكش: الدمام، الجبيرة: زينة من الذهب على اليد، الدبر: مؤخرة الإنسان، النجم: النبات الذي لا ساق له، الشجر: النبات ذو الساق، العَصف: ورق النبات الناشف، شطط: لهب، زوجان: صنفان، ثلة: جماعة كبيرة، انزف: سكر، طلح: شجر موز، المرأة العروب: المتحببة إلى زوجها، اتراباً: من سن واحدة، المزن: السحاب، يقرض: يسلف، الأمد: الزمان، الكفل: الحظ أو النصيب، انشزوا: ارتفعوا للتوسعة عن المجالس، جنة: وقاية، الوصيف: سرعة السير، الصريم: البستان قطعت ثماره، الحرد: إنعدام المطر، الدك: التسوية، الحضن: الحث، هطع: أسرع، قددا: متفرقة، بخسا: نقصا، مزمل: تلفف بثيابه، التبتل: الإنقطاع للعبادة، كثيب: رمل مجتمع، المدثر: لابس الدثار، الناقور: البوق، جمالة: جمع جمل، كواعب: الفتاة إذا نهد ثديها، الجراري، إيقاع عن طريق الحلق، الدليب، رقصة، المردوم، رقصة، الحكامة: شاعرة شعبية، المرس: (بمبار) مصران مجفف للطبخ، القنقا: لعبة شعبية، الجزرة: السمينة، العتمور: العقبة الخالية من السكان، الزبلعة: عدم الاستقامة، العتانيب: البروش، شمروش: من الجن وقاضيهم وصحابي كذلك، الويكاب: رماد القصب المحروق مع اللبن أو الماء مع خضار البامية: ابا مرعي: العشار، النوقف: التي على حملهن 10 أشهر، الاخاديد: شقوق في الأرض، السلوى: طير السهان، الرجز: الرجس، القذر وعبادة الأصنام، اشتري: باع، اصفح: أترك اللوم، الرفث: مقاربة النساء، الحرمة: ما لا يحل انتهاكه، القصاص: المجازاة، بمثل العمل: الهدى: الذبيحة: (ناقة أو بقرة أو خروف)، نسك: ذبح، الضراء: المرض، المقتر: الفقير، التابوت: الصندوق الذي حفظ فيه التوراة، حاج: جادل، ننشزها: نركب بعضها فوق بعض، صفوان: حجر املس، وابل: مطر غزير، الطل: المطر، ضرباً في الأرض: ذهاباً فيها للتكسب، المس: الجنون، الفرقان: القرآن يفرق بين الحق والباطل، المآب: المرجع، نذرت: أوجبت على نفسي، الأكمة: (من ولد كفيف البصر)، الولي: الناصر والمحب، تابوا: رجعوا، البر: كمال الخير، البطانة، الوليجة... الذي يعرفه الإنسان بأسراره، الاعقاب: مؤخرة الرجل، سلطان: حجة، الثواب: ما يرجع للإنسان من جزاء أعماله... (أعمال الخير)، النزل: ما يقدم للضيف من طعام وشراب، الكلالة: من لا ولد له ولا والد... (بعد موته)، سلف: أي تقدم، السفاح: الزنا: العنت: إنكسار العظم بعد الجبر، مثقال ذرة: وزن ذرة، الغائط: الموقع لدى التبرز، فصلاً: الأمرة التافه: كفل: نصيب، اكنة، اغطية، جن عليه الليل: ستره الليل، افل: غاب، الكباسة، عنقود الثمر، الجن: جنا، مجنون أي (مستترون): الحجر، المنع: الثرب، الشحم: الحاوية، الامعاء: الحرج: الضيق: قائلون: نائمون وسط النهار، الخياط: الابرة، وهذه (بعضاً) من المفردات العربية الخالصة المستخدمة آنذاك ومشروحة والتي أتي بها المهاجرين العرب عن طريق الشرق والشمال وهم الذين دخلوا الخرطوم زمان وهذه كانت تشمل بعض البيوت المشهورة آنذاك مثل (السراريج) المشهورين بركوب الخيل وحمل السيوف والتحدث باللغة العربية الفصحي ومعهم بعضاً من الأفراد الذين تعلموا في الأزهر... كما نجد أنّ معظم سكان الخرطوم زمان بعد الاحتلال العثماني والمصري والبريطاني نجد أنّ سكان الخرطوم يتحدثون لغة (مركبة) حيث انتشرت في فترة وجيزة وأن (لغة المكاتب كانت الإنجليزية) خلال الاحتلال الإنجليزي حيث كان الموظفين يتحدثون العربية والإنجليزية (مع بعض) تركيبة جديدة في التحدث. أما مجتمع أرياف الخرطوم فكانوا يتحدثون (العامية) المخلوطة بالتركية والمصرية والعربية والافريقية حيث دخلت عناصر كثيرة من جنوب وغرب السودان... وهذا ما تحصلنا على قليل منه من مفردات سابقاً... ونجد أنه بعد حكم الخليفة (عبد الله التعايشي) وإنشاء مدينة (البقعة) أمدرمان ودخول عناصر عربية (أصيلة) مثل الرزيقات والحمر والمسيرية وخلافه ظهرت هناك لهجات جديدة أكثرها (لغة عربية عامية) تمازجت مع لغة ولهجات مجتمع الخرطوم فكونت لهجة عامية (خاصة) هي السائدة الآن وهي لغة ولهجة سكان الخرطوم اليوم. وهم أساساً خليطاً من مهاجرين أتوا من جهة الشرق والغرب والشمال والجنوب خاصة أنّ الحكم (التركي والمصري والإنجليزي) خلفوا آثاراً إيجابية على تلك (اللهجة العامية) التي نشاهدها اليوم (الخليط) ولكن بمرور الزمن وتعديل المناهج (بعد الحكم الوطنى) تغير الحال حيث اصبحت اللغة العربية الأصيلة لغة أهل الخرطوم الرسمية حالياً خاصة بعد تقليل فرص تعليم اللغة الإنجليزية والتي كانت في يوم من الأيام لغة الدولة الرسمية.
ونؤكد أنَّ الخلاوي كانت هي الأساس الفريد في الحفاظ على (لغة الضاد) رغم جهود الإنجليز على تغيير هوية مجتمع الخرطوم لتكون مثلها مثل كينيا ويوغندا واثيوبيا وخلافه من دول افريقية وعربية كثيرة مستعمرة (غيّر) الاستعمار لغاتها وحتى لهجاتها مثل ما فعل الاستعمار الفرنسي في شمال وغرب افريقيا حيث (غيّر) تماماً كل هوية تلك الدول العربية الإسلامية مثل المغرب والجزائر وخلافه.
وبكل فخر واعزار نقول أنَّ الصوفية كانت تتصدى بكل قوة واصرار على الحفاظ على هوية سكان الخرطوم زمان... وهذه الحقيقة وجب ألا ينساها شعب الخرطوم والسودان... حيث أصبح شعب السودان (عربياً افريقياً إسلامياً) حيث احترام كل الاعراف والأديان حتى المسيحية حيث القِبط والجنوبيين الـ(الادينيين). والخلاوي خاصة كانت مهد العلم والقراءة والكتابة حيث (اللوح) وشيخ الخلوة (الفكي) والسوط ونار القرآن والتكية والتقابة والشرافة... وهذا أعظم شرف لشيوخ الخرطوم (الصالحين العباد الأساتذة المتطوعين) زمان الذين حافظوا على العقيدة ولغة الفرقان.
ونحن إذ نؤكد أننا قد سجّلنا للتاريخ حقائق (شاهد عيان). شاهد عصره دون إنحياز أو محاباة لأي جهة كانت... (فالحقيقة) لا تتعارض مع الواقع أو المنطق ولا تمانع أو ترفض النقد...!!!.
والحديث عن الخرطوم زمان ذو شجون حيث نذكر البطل الشيخ القائد الزعيم الديني محمد أحمد المهدى الذي رفع رأية الكفاح المسلح ضد المستعمر حيث نظّم وخطط لطرد المستعمر عندما تحرك من الخرطوم للجزيرة أبا حيث بدأت المعارك الطاحنة بينه وبين الأتراك حتى امتد القتال لكردفان في شيكان حيث قتل المستعمرين وشتت شملهم وعاد للخرطوم كرة أخرى ومعه حوالي (60) الف مقاتل ليحاصر الخرطوم ويقتل (غردون)...
هذه هي الخرطوم زمان رجال أفذاذ صالحين (حيث وضع الإمام المهدى (راتبه) الدعاء المشهور... وكان كل رجال الخرطوم المناضلين الاحرار من المؤمنين بالشريعة الإسلامية يومها وحتى أن (دستور السودان المؤقت) بالجمعية التأسيسية (البرلمان) كان يعترف بأن أساس الاحكام تكون من الشريعة الإسلامية....
وكانت تلك النزعة الدينية قد انتشرت وامتدت لخارج الخرطوم لتصل لكل الاقاليم حتى الجنوب واقاصي الغرب حيث كان هناك السلطان علي دينار الذي كان يخاطب ملكة بريطانيا لتدخل في الإسلام والخرطوم كما ذكرنا أنفاً لن تنسى معارك كرري والقصر ومستشفي العيون والطابية (والجردة) ومعارك الشيخ الصالح المانجلك الذي قاتل (حتى الموت) حكام مملكة الفونج (بكركوج) وكذلك مملكة (سوبا) المسيحية على بعد عشرة أميال من القصر الجمهوري...
أما ملوك الحلفايا وسيوفهم وزعماءهم أمثال الزبير ود رحمة فقد أكد التاريخ صلابتهم ورجولتهم وثبات عقيدتهم وقوة إيمانهم حيث امتدت سيوفهم (للجنوب)... أما الحلاويين الذين لا يبعدون كثيراً عن الخرطوم فقد كان فتاهم (الصادق المؤمن) بالحرية والعدل والذي (قاد) ثورة شعبية فذة غير مسبوقة ضد الاستعمار (ود حبوبة)... فقد سجل قصر عابدين حكاياته (هو وود رحمة)...
وشاهد أنّ كل القادة والزعماء الاحرار الذين قاوموا الاستعمار بالخرطوم كانوا شيوخاً جهاديين وسياسيين من الطراز الأول وقادة عسكريين مبدعين كذلك مثل الامام المهدى الذي (أرّخ عنه التاريخ) حصافته وتكتيكاته العسكرية في الجزيرة أبا وشيكان وحصار الخرطوم... وهذه ظاهرة عظيمة لشعب الخرطوم وزعماءه زمان... هؤلاء القادة الذين اعتمدوا على خبراتهم وزادهم وثقافتهم على (القرآن) حيث طوروا وفتحوا الخلاوي والمسايد مثل مسيد ود عيسي ومسيد أم ضبان وخلافه... هذه الثقافة الإسلامية التي هزمت الاستعمار بشتي ألوانه وأشكاله.
والخرطوم زمان التي عاصرت عهود الاستعمار بشتي أشكاله وألوانه حيث الامتزاج والاحتكاك والتلاحم والخلط كونت (بوتقة واحدة) وأسرة واحدة ولهجة واحدة ومجتمعاً موحداً وثقافة وعقيدة واعرافاً منصهرة متقاربة متعاونة منسجمة مسالمة حرة حيث كان الكفاح السياسي والمسلح... تلك الرابطة القوية التي زلزلت بل اطاحت بكل غاصب (محتل) ويكفي شرفاً لأهل الخرطوم زمان حيث (المهاجرين والأهالي المقيمين منذ آلاف السنين) يتعايشون ويتعاضضون مع بعضهم البعض المحسي والشايقي والجعلي والتركي والمصري والبريطاني والعربي المهاجر والمغربي والافريقي (الأسود) والهوسة (النيجري) والتشادي والليبي والبني عامر واليمني والحبشي والاريتري والصومالي والموريتاني... هذه (الملل) التركيبة غير المسبوقة التي عاصرت الخرطوم زمان... الخرطوم التي لن تنسى تلك العددية الهائلة من المهاجرين من (اليمن والاحباش والمغاربة والعرب والافارقة والاقباط والأتراك) تلك الكتل البشرية التي نضيف عليها هؤلاء النفر من اليهود والتجار النصاري الذين كانوا يسيطرون على معظم المحلات التجارية الكبيرة حيث كانوا المصدرين والمستوردين مثل (البوب مارشيل). أما التجار (الحضارمة) نذكر منهم (باعبود) الذي ركّز على العمل ببورتسودان (الثغر) الوحيد للخرطوم آنذاك بعد (هجران) سواكن.
ونقول أنه بعد الاحتلال ووضع الخرطوم عاصمة لكل السودان الجغرافي اضحت الخرطوم قبلة لكل أهل السودان حيث بدأت يتدفق عليها كل أهل السودان خاصة من التجار والمزارعين والعمال وطالبي العلم حيث وجود سبل كسب العيش الهادئة الحديثة الممتعة السهلة. الشيء الذي أدى إلى توسعة رقعة مساكن الخرطوم. وحيث أنّ (المسيد والخلاوي) كانت هي مصادر وأماكن العلم والقراءة والكتابة وحفظ القرآن... كان الفكي والشيخ يسمى (الأستاذ)... مثل الشيخ الأستاذ ود بدر والأستاذ الطيب ود البشير والأستاذ الكباشي وحمد وخوجلي وسرحان وود حسوبا وصقر البرزن وأبو فركة والفادني وأبو قرون والفكي مدني وحجازي وعبد القادر ود حمد وود طراف وصباحي وود أبو عمارة وود الهندي وود أبو كساوي وخلاوي شيوخ الجزيرة المروية بالحلاويين واليعقوباب والعركيين وكركوج والصابونابي وود عيسي والشرفة والشيخ عبد الباقي بطابت وشيوخ (العليقة) وكذلك شيوخ الجعليين شمال الخرطوم وود أبو صالح وغيرهم.
وظاهر أنَّ كل خلاوي هؤلاء الشيوخ الأساتذة هي التي أدت إلى زيادة عددية التلاميذ المثقفين حافظي القرآن الذين يجيدون القراءة والكتابة حيث أثرت تلك النخوة والحركة الدينية على معظم مجتمع الخرطوم يومها... حيث تطور بصورة ملحوظة خاصة بعد الاختلاط (والتزاوج) والعمل وكل ألوان الاحتكاك.
ولا ننسى ما قدمته (المراكب) التي كانت مع البقال والحمير الوسيلة الوحيدة للمواصلات والنقل.
ولا ننسى في الخمسينيات من دفعتنا من أولاد الجزيرة منهم عبد العال ساتي والتجاني خضر والنابلس وشرف الدين جمعة والخير المشرف (وحيليوة) (وأبو فروع) (والشرفة) وجزيرة الفيل وود أزرق ومناقزه وكتفية والمحيريبة وود جميل والعيكورة ومهلة وتنبول. وقد كنا نسمى زملاءنا بأسماء قراهم هذه كما جرت العادة للتمييز وربط تلك القري بالخرطوم زمان... مثل (صديق حليوة) (والأمين أبو فروع) (وكمال مهلة) (وأحمد الشرفة). ولا ننسى تلك الزيارات التي كنا نقوم بها نحن أولاد الخرطوم لتلك القري بالجزيرة خلال الإجازات (الطويلة السنوية)... لتوثيق العلاقات بين الخرطوم وضواحيها.
ومن حكاوي وقصص تلك الرحلات والزيارات الطلابية الخاصة... أن مواطني تلك الحلال كانوا يخرجون نساءاً ورجالاً لمشاهدة أولاد الخرطوم وهم يرتدون الاردية والقمصان الافرنجية...
ولا ننسى عشرات (براريد الشاي باللبن بعد صلاة الصبح (بالدانقة المضيفة) وكذلك عشرات (الصواني) في كل وجبة... تقدم لنا لنشربها ونأكلها ولا نبقي بها شيئاً حسب طلب أصحابها. ولا يفوتني أن أذكر حينما أكلنا لأول مرة (لحم الجمال) (بتنبول) ونحن نظنه لحم أبقار... حيث (الطراش) بعد علمنا بعد يومين. وقد كان يعتقد هؤلاء الأهالي أننا من (مجتمع المدن المتحضر) حيث كانوا يجهلون جغرافية (الخرطوم) ويعتقدون أننا لا نعلم شيئاً عن النيل أو الزراعة حيث كانوا يأخذوننا للنيل والجنائن والجروف (للفسحة). وحقيقة كان من بيننا زملاء سكان قلب الخرطوم العاصمة الناعمين المنعمين (المرطبين) أبناء التجار وكبار الموظفين. وكنا نلاحظ أن (ملأ) كل تلك القري المجاورة من العرب الأصليين حيث العادات والتقاليد والأعراف وكل أساليب المجتمع المختلفة من أصول عربية حيث كانت لغة المخاطبة وخلافها أكثر وضوحاً من لغة سكان الخرطوم المركبة المخلوطة ذات الطابع (التركي المصري العربي) حيث كانت لهجة الاقاليم أكثر قرباً للغة القرآن حيث أثر ذلك على حياة الأسرة الخاصة (والعائلة والقبيلة). أما طبائع المرعي والبيع والشراء وآداب المخاطبة والأكل والشرب وعادات الافراح والاتراح فيطفي عليها جانب (العروبة الصحراوية الخلوية المجدبة) حيث وجود الجمال والخيول والسيوف والعصى ولباس السروال الطويل والعمامة والثوب والعراقي وحيث إنتشار لهجات وكلمات مثل (النحر) الهودج والسرع والملأ والخرج والرحل والسرج والزاملة والسحت والحادي والحاحاي والسومة والجب والسربال ويعرج والانعام والوصيد وأكنة والصدفين والمخاض والسوءة والفج والتنور والريع والمحريب والطرف والصرح والممرد والرهط والودق وخردل والعروة والمضاجع ومعشار وفرات والمشراخ والاحداث والمهاد ويسجرون واكمام والروضة وعَقَبة وعِقبِة والجرتق وصحاف والرهو والمهل والدهر (واف) والعارض ومريج والزاريات وذو مرة واجنة وأكدى ود سار والسعر والهبيل والشف والرحط والمطرق والنقارة والكودة والعكس والذمام والجبيرة وعاقر والنجم (واللبان) والعصف وشواظ وزوجان ومدهامتان وكله وموضونه (وعين) (وانزف) ومخضوض (والمرأة العروب) واتراب والمزن ويغرض والامد والكفل وانشزوا والوجيف والنم والحادي والفل وصافات ويداهن والخرطوم ووقت والصرام والصريم والحرد ومكظوم والدك والحض وهطع والكثيب والتبتل والمزمل والمدثر وبخس والملتحد (وذا غصة) وكثيب ومهيل والناقور وقسورة وجماله وكواعب (وحافرته) (والساهرة) (والجراري) والدليب والمردوم والحكامة والمرس والقنقا (والأنيار) والمشايخة والجزرة والزبلعة والعتمور والعتانيب (وشمروش) والويكاب (والغزال) والعشار والاخاديد والغثاء والضريع ونمارق والنجد والعقبة وذا متربة (وسوجي) وعلق والابتر وكلالة (ومد الحبل) والنفاثات والفارض والبكر والمسلمة (واشتري وباع) والحرمة والهدى والنسك والصفوان والوابل والطل والمس والنذر والولي والاصر والبطانة والاعقاب والنزل والسلف والسفاح والعنت والغائط والصعيد (والفتيل) والدائرة والأكنة والكياسة والحجر والثرب والحاوية (والسم) (والخياط) وهذه بعضاً من الكلمات التي يستخدمها أهالي تلك القري حول الخرطوم زمان وهي تدل على أنّ هؤلاء حقيقة (إعراباً) وعُرباً مهاجرين من الجزيرة العربية.

هناك تعليقان (2):


  1. افضل الخدمات والتقنيات في شركة حراسات خاصة علي اعلي مستوي في جمهورية مصر العربيه اقوي العروض والخدمات من خلال شركتنا العالميه في مصر .
    https://guardsecuritycompany.wordpress.com/

    ردحذف
  2. اكشف الان عن المخاطر التى تسيطر عليك من شركه حراسات امنيه والتى تتجول من حولك فى منزل او شركتك\
    الان من شركه امنية هتوفرلك حمايه كامله وعلى اعلى تقنيات من وجود بوبابات الكترونيه خاصه فى جميع ما يمرور البوابات ومن الهوايات وكشفها مع وجود كاميرات مراقيه خاصه .

    ردحذف